البث المباشر

الميرزا محمد تقي الشيرازي

الأربعاء 27 فبراير 2019 - 09:47 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- مع الصادقين: الحلقة 552

ومن اعاظم الصادقين والمجاهدين في اعلاء كلمة الاسلام واهل البيت هو العالم الكبير واستاذ الفقهاء وزعيم الحوزات العلمية والقائد السياسي المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي صاحب الفتوى المعروفة بتحريم التنباك قدس الله سره.
الميرزا محمد تقي الشيرازي هو من مواليد شيراز في ايران عام 1230 هجرية قبل مئتي عام من الان، الميرزا محمد تقي الشيرازي هو من كبار تلاميذ صاحب الجواهر، المرحوم صاحب الجواهر الشيخ محمد حسن والمرحوم الشيخ مرتضى الانصاري، بخصوص المرحوم الشيخ مرتضى الانصاري كان له تقييم خاص لأن الشيخ الانصاري رغم حضور المئات من الطلبة والتلاميذ في درسه لكنه كان يصرح بأنه انا ادرس ثلاثاً فقط، لهذا معنى، وهم الميرزا حبيب الله الرشتي والميرزا محمد تقي الشيرازي والشيخ حسن الطهراني، لهذا الكلام دلالة يعني هؤلاء المئات كلهم في جانب وهؤلاء الثلاثة في جانب.
الميرزا محمد تقي الشيرازي استاذ لآلاف من العلماء وابرزهم المرحوم السيد كاظم الطباطبائي اليزدي والاخوند الخراساني والشيخ فضل الله النوري والسيد اسماعيل الصادق والاغا رضا الهمداني رحمهم الله جميعاً، هؤلاء تلاميذ السيد محمد تقي الشيرازي.
الميرزا محمد تقي الشيرازي حياته حافلة بالمآثر والعطاء الاجتماعي والسياسي هو يعني رجل استقلال العراق، انتقل الى العراق في بدايات حياته، يكتبون عنه انه نال درجة الاجتهاد وعمره عشرون سنة رغم الصعوبة آنذاك في الحصول على المصادر، تلف التراث من قبل النواصب لكن بفضل نبوغاته وذهنيته الخارقة وصل الى مرحلة الاجتهاد بذلك السن المبكر واصبح مناراً يحتذى به.
وصل الى النجف الاشرف، كان في طليعة تلاميذ صاحب الجواهر كما ذكرت، بعد وفاة صاحب الجواهر اصبح اقرب تلميذ للشيخ مرتضى الانصاري وبعد وفاة الشيخ مرتضى الانصاري عام 1281 هجرية اصبح الميرزا محمد تقي الشيرازي مرجعاً عاماً لكل الشيعة في العالم، في عام 1287 هجرية سافر الى الحج ونزل في مكة في منازل احد رجالها لكن ذلك اليوم شريف مكة وهو عبد الله الحسني طلب منه برجاء ان يكون ضيفه، كانت مكة بيد الاشراف لكنه رفض لكي لاينتزع منه هذا المعنى وهو وقوف العلماء على ابواب السلاطين واصر على البقاء في مكانه، بعد فترة عاد الى العراق من الحجاز عام 1290 هجرية واستقر في مدينة سامراء وسبب سكناه في مدينة سامراء هو انه هاجر المئات من الاساتذة والطلبة والمجتهدين فسكنوا مدينة سامراء واصبحت مدينة سامراء مدينة عامرة بالمدارس والمؤسسات العلمية واصبح المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي مربياً كبيراً لجملة من كبار الفقهاء واساتذة الطائفة كما سبق وان ذكرت.
اتحول الى جهاده السياسي، جهاده السياسي يتمحور في عدة خطوات اقولها بأختصار، هذه الخطوات غيرت المجرى السياسي في الشرق الاوسط واعطت للاستكبار العالمي اهمية المراجع الدينية ودورها الرائد في قيادة وجدان الامة، خطوات عديدة ولكن انا اروي منها واحدة او اثنتين او ثلاثة فقط، اولى هذه الخطوات السياسية للميرزا محمد تقي الشيرازي هي لما زار ناصر الدين شاه القاجاري مدينة النجف الاشرف عام 1287 هجرية لم يلتق به الميرزا الشيرازي الا في الحرم، العرف السائد ان الشاه ينزل في مكان ويذهب ويزوره العلماء والمراجع وهذه كانت خطوة رائدة اعطت قيمة للمرجعية وللقيادة الدينية وبعد ذلك ناصر الدين شاه القاجار ارسل اليه ظرف فيه اموال فأرجعها ليفهمه ان الزعامة الدينية غنية وقائمة بذاتها وغير مرتبطة بالدولة وكان لهذه السلوكية للمرحوم الشيرازي ابعد الاثر في ترجمة موقع الزعيم الديني وهيبته وعظمته واستقلاليته، ومن خطواته الرائدة والمثيرة جداً اخماده الفتنة الطائفية التي اشعلها الانجليز في العراق وذلك لتمزيق المسلمين لأن الانجليز لما احتلوا العراق قالوا للشيعة جئنا لحمايتكم من العثمانيين لأن العثمانيين قتلوا مئات الالاف من الشيعة لكن الزعامة الشيعية المتمثلة بقيادة الميرزا الشيرازي رفضت هذه الخدعة ودعا المرحوم الشيرازي، اريد ان يسمع العراقيين هذا فرداً فرداً، عرباً سنة، شيعة، اكراد، تركمان، اقليات، دعا المرحوم الشيرازي وبقية المراجع كالسيد محمد سعيد الحبوبي وغيره بوجوب وقوف الشيعة الى جانب العثمانيين يداً واحدة ضد الغزاة الانجليز والذين هم اعداء للاسلام والمسلمين عموماً فعمل رحمه الله على ايجاد التقارب بين كل فصائل الشعب العراقي.
من خطواته الجبارة فتواه الشهيرة لتحريم استعمال التنباك، ماهي القضية؟ اجمالاً رئيس وزراء ايران انذاك عقد اتفاقية عام 1307 هجرية، اتفاقية اقتصادية مع البريطانيين لأستثمار التنباك لمدة 15 عاماً وبسعر زهيد جداً وهذه الاتفاقية حصرت بيع التباك من المزارعين للشركة،الشركة تبيع للمستهلكين بأي ثمن تريده وهذا من صور الاسترقاق، الاستعباد الاقتصادي، ومن حسن الحظ ان معظم المزارعين في ايران للتباك هم سنة وليسوا بشيعة فرأوا ان هذه قضية غبن وخدعة، يشترون الطن بخمس دولارات ويبيعونه بخمسين دولاراً لأن ليس عندهم منافس والمزارع محصور اما يبيع لهذه الشركة او لاتزرع، استعباد، استعمار، احتكار.
جاء المزارعون السنة الى علماءهم فقالوا نحن لانستطيع ان نتدخل لماذا؟ لأن السياسة حرام علينا اولاً وثانياً نحن موظفين فجاء المزارعون السنة والشيعة، الشيعة كانوا قليلون، استنجدوا كلهم بعلماء الشيعة وكتب علماء الامامية الى المرجع الاعلى الميرزا الشيرازي في العراق في سامراء فقرأ الفكرة وقرأ الشكاوى وتدارس الامر مع مستشاريه وفهم ان هذه قضية استعمارية فأصدر فتوى لكن فتوى تاريخية، اصدرها تحرم استعمال التنباك وهذه صعبة، واذا الناس كلهم في ايران احجموا عن شراء التنباك، واقول اكثر من هذا الشاه القاجاري كانت زوجته تأتي له بالغليون بعد الغداء، فلم تأتي به فصاح وسيلة وسيلة، قالت حرام فقال انا زوجك تقولين لي حرام قالت ان الحاكم الشرعي الذي حللني لك وجعلني زوجة لك هو الذي حرم هذا لأن هذا مخالف لله وللرسول، هذه كانت ضربة قوية للاستعمار وللاستكبار العالمي.
اخيراً واجهت الشركات البريطانية فشلاً واضطروا الى الانسحاب والغاء الاتفاقية واضرت هذه الاتفاقية ببريطانيا ملايين الباونات يعني دمرت ميزانيتهم فأوعز الحاكم البريطانيا مكملا الى المندوب السامي البريطاني في العراق ان اذهب الى الميرزا الشيرازي وانظر ما هو جيشه وسلاحه واساطيله ما هي، قواعده ما هي؟ كيف ضربنا هذه الضربة القاضية؟ فأتى المندوب السامي وزار الميرزا الشيرازي فرأى ان فراشه حصيرة عادية وهو كومة عظام متكورة، لا سلاح ولا جيش ولا قواعد ولا اساطيل، فكتب لمكملا قائلاً ان هذا الرجل يتجاوز الثمانين عاماً كل اثاثه لا تتجاوز المئتي روبية لكن بكلمة واحدة يسطرها بقلمه يقلب نظم بكاملها ويثير مئات الملايين من الشعوب، هذه قيادة الوجدان، هذه قيادة الشعور، هذه كانت من ابرز الخطوات للميرزا الشيرازي ومثار اهتمام العالم كله وبقيت القيادة في ايران في العهد القاجاري تخاف الميرزا الشيرازي وتهابه.
اقام الميرزا الشيرازي في سامراء 22 عاماً، عشائر الفرات الاوسط هبت وبدعوة منه الى بناء حرم العسكريين وتبرع القائد عبد الواحد آل سكر بتذهيب ايوان الحرم الشريف واسس المرحوم الشيرازي مدارس وحمامات ولكن جاء طاغية العراق صدام لعنه الله بحجة توسيع البلد قضى على كل هذه الاثار بسبب حقده على الاسلام وعلى اهل البيت.
اخيراً في 24 من شعبان المعظم عام 1312 هجرية توفي الميرزا الشيرازي في سامراء ونقل جثمانه مشياً على الاقدام الى بغداد والنجف الاشرف ووري الثرى عند باب صحن امير المؤمنين بما يعرف بباب الطوسي، مقبرة المرحوم الشيرازي تغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة