من مشاعل الصادقين المخلصين المتفانين في خدمة الولاء وصاحب الولاية الكبرى هو المرحوم آية الله الشيخ محمد حرز الدين رضوان الله تعالى عليه. هو من مواليد النجف الاشرف، ولادته عام 1273 هجرية، ولد في ليلة عرفة، ولادته في هذه الليلة صارت فألاً تفأل بها الكثير من العلماء بأنه سيصبح مولوداً ذا جلالة وقدر كبير.
الشيخ محمد حرز الدين رضوان الله تعالى عليه هو ابن عائلة علمائية عريقة وتدرج في اجواء هذه الاسرة واجواء حوزة النجف الاشرف حتى صار علماً من مشاهير العلماء والمحققين في الفقه والاصول والتراث، اشتهر بين كل العلماء بأنه مؤرخ قدير وبحاثة متتبع واتصف هذا الرجل بكمالاته وتهذيب نفسه، عمر ثلاثة وتسعين سنة ولكن عمر مبارك، كل سنة ربما فيها من الصالحات مالايقدر على انجازها امثالي انا، عمر مبروك وموفق، ثلاثة وتسعين سنة منكب على التأليف والتحقيق حتى قدم للمجتمع الانساني ثمانين مؤلفاً في عامة العلوم مثلاً فطاحل رجالات الحوزة هم تلاميذه مثل المرحوم الشيخ محمد حسين الكاظميني وزعيم الطائفة الميرزا حسين الخليلي الرازي وامثال هؤلاء، هو تتلمذ على ايدي هؤلاء وحضر ايضاً قسطاً من دروس الشيخ محمد طه نجف رحمة الله عليه والملا الاخوند في بداياته والسيد كاظم اليزدي.
هذا العالم الكبير الشيخ محمد حرز الدين كان معروف بشعبيته العالية، قاعدة جماهيرية ضخمة لابسبب علمه فقط لكن بسبب تواضعه واندماجه مع ابسط الطبقات فتراه يجلس مع الطفل يلاطفه بلغته ويجلس مع الانسان العادي ويكلمه حسب عقليته ويجلس مع الاخوند الخراساني، هكذا كان مرموقاً ويتمتع بهذه المواهب مثلاً كان يستشعر حالة البؤساء وعرف عنه مواساته لعامة الطبقات، ما كان يلبس الا الخشن ولايأكل الا الطعام البسيط الجشب، هذا الرجل طوال حياته زار الحسين عليه السلام ماشياً على قدميه اكثر من خمسين مرة وكان يصحبه في هذه الزيارات كبار الفضلاء، لأن الزيارة اربع او خمسة ايام هي مدرسة، هكذا شخص ومعه فضلاء خمسة ايام في الطريق ما عندهم كلام ثرثرة مثلنا، كلام فاضي، كلامه كله مسألة علمية، حديث، تفسير، شواهد ادبية فيذهب شخص بسيط ومحدود في معلوماته معه فيرجع من الزيارة ومعه الكثير من العلم، هؤلاء بركاتهم متنوعة.
من ابرز اهتماماته تدوين تراجم واحوال حياة الكثير من الشخصيات العلمية وجمع ذلك في كتابين احدهما معارف الرجال جمع فيه احوال الشخصيات العلمية واسماه معارف الرجال في ثلاث اجزاء، هذا الكتاب في تراجم العلماء والادباء وهناك مؤلف مشابه لهذا ولعله اهم منه وهو كتابه الاثري القيم مراقد المعارف وقد بذل قسطاً كبيراً من عمره يسافر، يعبر الاودية، احياناً يركب الحمير لأن يقع مشهد في منطقة نائية بعيدة فيضطر من اجل ان يصل اليه، قسم كبير يتحقق من مراقد اهل البيت واصحاب اهل البيت واتباع اهل البيت والشخصيات مع عناء السفر الصعب في ذلك الزمن وجمع من اجل ان يقف على مراقد اهل البيت واحفادهم كذلك اولياء اهل البيت وكان يتعرف على واقع الامور بنفسه مباشرة يعني قلت نصف عمره يجوب المدن والارياف والقرى في العراق، في ايران، في افغانستان، في مصر، في سوريا، في الاردن، تركيا، لم يترك محلاً مع صعوبة السفر ذلك اليوم ومع قلة السيولة والحالة المادية الضيقة فهذا هو ايضاً جهاد ضخم، يبحث عن مشاهد ومراقد اهل البيت واتباعهم وفعلاً تعرف على الكثير منها سواء بالنصوص التاريخية او بالشهرة الفطرية او بالمعرفة الموضعية وله هذه الكلمة وقد صرح بها انذاك يعني قبل اكثر من مئة عام يقول رحمه الله: وظروفنا الان محفوفة بتشويش البال وتابع الاهوال من عبث وتخريب العثمانيين ومن تسلط الانجليس الارجاس بجيوشهم الكافرة على العراق المسلم اخرى، الخليج الان يرى اخبث واتعس من الانجليز وهم الامريكان لعنهم الله واخزاهم ثم يقول رحمه الله: ونهوض علماء الامامية للدفاع عن شوكة الاسلام واصدارهم الاوامر للمسلمين بجهاد الانجليز ثم يقول رحمه الله يعني يوصف معاناته ومصاعبه وكيف تعرف على هذه المشاهد والمراقد يقول: فواجهنا قطع السبل، مثلاً قبر في منطقة تركيا كلهم من النواصب وهذا القبر لولي من اولياء امير المؤمنين فكان يلبس ملابس ما نسميه بالمطاوعة ويتظاهر بأنه منهم ويصل بصعوبة الى ذلك القبر لتحديده بالضبط ومعرفة المفردات عنه فيقول: فواجهنا قطع السبل واضطراب الامن فلن يمكننا التجول والتنقيب في الارياف عن القبور المتواجدة فيها.
ثمرة عقود من الزمن وسفرات عديدة قدم للمجتمع كتابه المشهور مراقد المعارف وهو من جزئين فيه عبارة عن تعريف وشرح لمئتي واثنين وستين مشهداً ومرقداً واضيف ايضاً ان المرحوم الشيخ محمد حرز الدين رحمه الله له يد طولى في الشعر والنظم في اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وله ديوان شعر كبير، يحدثنا الكبار قبل خمسة وخمسين عاماً عن هذا العالم الجليل، يقولون ان هذا العالم ما كانت باب بيته تغلق لا في الليل ولافي النهار وليس لها قفل، اما في النهار الباب مفتوحة وهو في الغرفة حتى في الشتاء العابر يراه، الباب مفتوحة ويدخل عليه حتى المجنون فيلاطفه ويعطيه شيئاً ويذهب وما كان يبخل على احد ولا يضع حاجزاً.
اخيراً وبعد عمر مكلل بالحسنات والطيبات والصالحات انتقل الى جوار ربه في النجف الاشرف في جمادي الاولى عام 1365 هجرية ودفن في مقبرتهم يعني مقبرة العائلة وترك رحيله فراغاً كبيراً في الحوزة العلمية وفي عموم العراق وعاشت النجف الاشرف بوفاته يوماً حزيناً مشهوداً ورثاه العديد من الشعراء والادباء بالقصائد ومنهم الشيخ علي البازي بقوله:
رزء بكى الدين الحنيف لهوله
وتعطلت احكام شرع احمد
وملائك الرحمن حزناً ارخوا
بمدامع تنعى افتقاد محمد
*******