من الصادقين المحبين لأهل البيت هو الشاعر المجد زائر الحسين عليه السلام محمد بن محمد الهاشمي البغدادي المشهور بأبن الهبارية، هذا كان شاعراً من فطاحل شعراء زمانه وكان بليغاً ومؤلف ايضاً، مؤلف ماهر وله عدة كتب الفها ونافعة هذه الكتب، من مؤلفاته نتائج الفطنة ثم له ديوان من اربعة مجلدات وعموماً اقول انه كثر شعره في آل الرسول وهذا سبب فقدان ديوانه، سمعت ان نسخة منه موجودة في فلان مكتبة في تركيا ولااعرف صحة هذه الاخبار لكن الشيء المؤكد لدي ان دواوين تحمل اشعار لمثل هؤلاء الاشخاص وشعر بارع ونموذجي في فضائل آل الرسول اغلبها اتلفت او احرقت.
ابن الهبارية بالاضافة الى هذا كان مشهوراً بالفراسة، ما معنى الفراسة؟ هناك حديث لرسول الله صلى الله عليه وآله يقول اتقوا فراسة المؤمن يعني المؤمن يصير ذكي، يطالع الوجوه ويعرف ما وراء الوجوه، ماهي البواطن، هذا يسمى علم الفراسة، يعني كيف الصراف يعرف المزيف من غير المزيف، هذا ابن الهبارية كان يأمن الناس بالصلاة في السيفية، السيفية يعني الحلة، الحلة الفيحاء تسمى بالسيفية لأن في الواقع الذي جعل منها مصيف وبناها هو سيف الدولة وبعد ذلك سميت بالمزيدية والحلة.
فكان هو امام الجماعة والجمعة في السيفية ومشهور بأبن الهبارية انتساباً الى هبار جده لأمه ولااعرف هذا هبار هو الذي تعرض لبنت رسول الله صلى الله عليه واله زينب، على كل هبار اسم موجود لأشخاص، هذا ابن الهبارية كانت له حادثة غريبة مع الوزير بن جهير، الوزير بن جهير كان لسنوات وزير ثم عزل ولكن عين وزيراً مرة اخرى بسبب مصاهرته مع نظام الملك يعني ابن جهير تزوج زبيدة ابنة نظام الملك وبسبب هذا الزواج اصبح وزيراً وهو لايفهم شيئاً وانا كنت اتصور ان هذا الابتلاء في العصور الحالية تبين انه لا هذا من القديم ان المناصب ما كانت تعطى لذوي الكفاءات وانما لذوي المحسوبيات وكم وكم شاهدنا وزيراً امياً لا يقرأ ولا يكتب مثلاً صدام حسين كان يعين بعض الوزراء لا لكفاءاتهم ولكن ليقتلوا خصومه في الخارج فلما ينهوا هذه المهمة اكراماً لهم وتعويضاً لهم يعينهم وزراء، وكلاء وزارات، وانا اعرف اكثر من اربعة ارسلهم وقاموا بأغتيالات لخصوم يخشاهم صدام واحد منهم علي صالح السعدي واحد منهم حردان التكريتي.
على اي حال هؤلاء يعينون وزراء، فهذا ابن جهير لما عين وزيراً بسبب مصاهرته لنظام الملك كان ابن الهبارية في مجلس خاص وهو شاعر فقال:
قل للوزير ولاتفزعك هيبته
وان تعاظم واستولى لمنصبه
لولا ابنة الشيخ مااستؤزرت ثانية
فأشكر حراً صرت مولانا الوزير به
تبين ان احد الحضار يبدو كزماننا المعاصر كتب معلومة عليه وابن الهبارية لاعلم لديه فمرت الايام وفي يوم اراد ابن الهبارية ان يزور ابن جهير ففي الطريق التقى ابن ابي المعزول المعري فقال له انا ذاهب لأزور الوزير فلان هل تأتي معي فقال اهلاً وسهلاً فتصاحبا ودخلا سوية على الوزير ابن الجهير، يقول ابن ابي المعزول المعري لما جلسنا لم يكن الوزير على ما يرام وقرأت في وجهه الشر فقلت لصاحبي لنخرج بسرعة واستعجلته بالخروج فلما نهضنا انا وابن الهبارية دفع لأبن الهبارية رقعة صغيرة فلما خرجنا قرأها اصفر لونه ابن الهبارية فقلت ان شاء الله خيراً ماذا حدث؟
قال: لقد امر بقطع اعناقنا.
قلت: يا سبحان الله صحبتك بالصدفة ولا علاقة لي بكل شيء والان كتب لي الهلاك دون سبب، فعلاً قبض علينا الجلاد واودعنا في غرفة وامرنا ان يكتب كل وصيته ويئسنا، يقول ابن ابي معزول كنت اتذرع للبواب بأن انا لاعلاقة لي بكل شيء وانا غريب ولامعرفة لي بالوزير اصلاً، يقول ثم سألته ما الامر؟ فكان لايقوى على الجواب ولكن بينما نحن جلوس تغير الامر واذا اخلي سبيلنا واعطي ابن الهبارية خمسين ديناراً فأعطاني منها عشرة فقلت له بعد ما ارتفع الكابوس ونجونا، ما كان في هذه الرقعة؟
قال: بيتان قلتهما في مجلس خاص هجوت بهما هذا الوزير قبل مدة ولا اعرف كيف وصلت اليه وكان قد كتبهما لي مذكراً لي هجائي له، كأنما هذه قضية المعلومات والاوراق والتقارير هذه قديمة، هذا البلاء موجود.
يقول: ابن ابي معزول المعري لم اعرف ما الذي توسل به ابن الهبارية وما الدعاء الذي دعا به فكتب الله لنا النجاة وتغيرت فكرة الوزير.
قلت: هذا ابن الهبارية يعد من اوائل زوار الحسين عليه السلام ومن زوار الحسين في الازمات التي كان الزائر تسعين بالمئة مكتوب له القتل والابادة ثم بالاضافة الى زيارته للحسين لم يجرأ في زمانه او قبله او بعده لم يجرأ احد ان يرثي الحسين الا ما ندر يعني يعد الشاعر الذي ينظم انذاك في عداد الشهداء وان كان بقي حياً يعني شهيد حي.
في اواخر القرن الخامس الهجري توجه ابن الهبارية زائراً قبر الحسين سلام الله عليه كعادته وحين وصل كربلاء انكب على قبر الحسين عليه السلام باكياً وهو يقول:
احسين والمبعوث جدك بالهدى
والمبعوث الواو واو القسم يعني وحق المبعوث.
احسين والمبعوث جدك بالهدى
قسماً يكون الحق فيه مسائلي
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في
تنفيس كربك بذل جهد الباذل
وسقيت حد السيف من اعداءكم
عللاً وحد السمهري البازل
لكنني اخرت عنك لشقوتي
فبلابلي بين الغني وباذل
هبني حرمت النصر من اعداءكم
فأقبل بأحزاني ودمع السائل
في الواقع تقول الروايات بعد قراءته هذا الرثاء الذي رثا به الحسين عليه السلام نام قليلاً فرآى كأن الرسول صلى الله عليه وآله واقف عند رأسه ويخاطبه النبي: يا ابن الهبارية جزاك الله عني خيراً وابشر فأن الله قد كتبك مع من جاهد بين يدي الحسين، طبعاً نحن لانستغرب في هذا وهذه من الرؤيا الصادقة، جابر الانصاري لما جاء لزيارة الحسين يقول للعطية الكوفي لما اشكل عليه يقول كيف تقول للانصار انا شاركناكم فيما انتم فيه، هؤلاء رجالهم رؤوسهم قطعت ونساءهم ارملت فأجابه جواباً قوي الحجة، قال سمعت حبيبي رسول الله قال: يا جابر من احب عمل قوم اشرك في عملهم ومن احب قوماً حشر معهم، القضية قضية خط، النبي صلى الله عليه واله له حديث، اذا وقعت الخطيئة في المشرق ورضي عنها من في المغرب حشر مع من ارتكبها واذا وقعت الحسنة في المغرب ورضي عنها من في المشرق كتب شريكاً في ثوابها، هذا ابن الهبارية راثي الحسين عليه السلام توفي عام490 هجرية تغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******