من الصادقين علماً وجهاداً وادباً في خط اهل البيت زعيم المجاهدين في عصره المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري اعلا الله مقامه، هو من مواليد النجف الاشرف في العراق عام 1289 هجرية وهو من اللامعين في الجو العلمي ادباً وفقهاً وهو في طليعة المراجع المجاهدين في العراق في بدايات واواسط القرن الرابع عشر الهجري، بعد ولادته وتدرجه في مراقي المعرفة اصبح من اوائل تلاميذ المرحوم الاخوند الخراساني والشيخ محمد حسن الجواهري والشيخ محمد طه نجف رضوان الله عليهم ونال درجة الاجتهاد وهو في بواكير عمره واصبح شخصية يشار اليها في المحافل الادبية والعلمية والجهادية، كان هو ومجموعة من زملاءه المجاهدين والعلماء الكبار يعرفون بالعشرة المبشرة في زمانهم، الشيخ عبد الكريم الجزائري اقتحم اجواء السياسة ايام الصراع بين الملكية والجمهورية في ايران، وقف مع استاذه المرحوم الاخوند، تضامن مع خط المرحوم الاخوند في الخط الجمهوري.
في عام 1332 هجرية يعني عام 1914 ميلادية اندلعت الحرب العالمية الاولى وفي ذلك الجو المضطرب احتل الانجليز جنوب العراق للسيطرة على آبار النفط وتفادياً من سقوطها بيد الالمان النازيين لأن الحرب مع النازيين كانت قائمة فهنا تحرك المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري ولذلك الان انا اتكلم عن هذا العالم الجليل وقلبي يحترق ولسان حالي مكانك خالي يا شيخنا الجزائري في هذا الزمن، مكانك خالي في العراق انت وزملاءك المجاهدين.
لما احتل الانجليز جنوب العراق ووسط العراق المرحوم الجزائري تحرك هو ومجموعة معه من كبار العلماء مثل عبد الرزاق الحلو مثل السيد محمد سعيد الحبوبي تحركوا لمقاومة الغزو الانجليزي للعراق وهنا اركز على حالة ان الشيعة في العراق عانوا تقتيل وابادة جماعية من الحكام العثمانيين سواء في تركيا او في العراق، مئات الالاف قتلوا وان كان لم يبلغوا المبلغ من التضحيات على عهد طاغية العراق صدام اخزاه الله لكن على اي حال قمعوهم قمعاً على عدة وجبات لكن الانجليز كانوا يتوقعون ان الشيعة يقفون معهم انتقاماً من العثمانيين لكن هذا الدور الشريف والدور الذي هو امتداد لدور رسول الله، اصدر علماء الامامية بوجوب الوقوف صفاً واحداً بوجه الانجليز، شيعة وسنة وعرب واكراد وتركمان وبعض القوميات الاخرى، تكلم الشيخ عبد الكريم الجزائري في مسجد الهندي في اجتماع هام، اجتماع غفير وكان ضمن الحضار السيد محمد سعيد الحبوبي، الشيخ محمد جواد الجزائري، السيد عبد الرزاق الحلو وغيرهم، القى الشيخ عبد الكريم الجزائري خطاب هام اشحب الههم وفجر العزائم، الجماهير وطلاب العلوم الدينية والعلماء وهم في مقدمتهم، اتوا وتخندقوا في بعض مناطق خوزستان وضواحي البصرة، في ذلك اليوم كانت صداقة قوية جداً بين الشيخ عبد الكريم الجزائري وخزعل ابن مرداو الكعبي لكن شيخ خزعل تجاهل موقف العلماء ضد الانجليز طبعاً بسبب تحالفه مع الانجليز فقطع الصلة معه احتراماً للمبادئ ففي يوم من الايام جاءته رسالة عتاب من الشيخ خزعل انه انت صديق فأجابه بجواب جميل قال له كنت لي صديقاً حميماً ولكن الاسلام فرق بيني وبينك يعني وصلت القضية الى العظم والقضية قضية مبادئ والغيرة على البلد فالشيخ الجزائري اصر.
المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري رغم قيادته للمجاهدين كان هو في الخط الاول حتى نصحوه ان يكون في الخلف لأنك قائد فقال لا، يجب انا اقوي المعنويات وكان يخطب ويثقف العراقيين دفاعاً عن سيادة العراق وذخائر العراق وشرف العراق واسم العراق، اين هو اليوم مكانه خالي على اي حال.
في اطار توجه العراقيين وتحركهم لنيل الاستقلال بزعامة الميرزا الشيرازي اعلا الله مقامه كان الشيخ عبد الكريم الجزائري ذراعه القوي، كان هو همزة الوصل بين عشائر العراق سنة وشيعة، عرب واكراد، الشيخ ضاري كان يكتب له رسائل للميرزا الشيرازي عن طريق الشيخ عبد الكريم الجزائري.
في احد الايام صارت مثل ما نقول مفاجأة واذا المندوب السامي البريطاني يسترجي الشيخ عبد الكريم الجزائري ان يتفاوض معه على حل الامر سلمياً والشيخ الجزائري رحب يعني من منطلق الحفاظ على الدماء والحرمات فأنتخبوا انذاك بسبب هذه المفاوضات قيادة ولو نسبية، فأنتخبوا فيصل الاول ونصبوه ملكاً على العراق وهو غير عراقي اتوا به من الحجاز، الشيخ الجزائري يعرف ورفض التعامل مع الملك فيصل لأن قال له انت صنيعة بريطانية لكن على الاقل ستين او سبعين بالمئة حفظت الحقوق لصالح العراقيين، لصالح القيادة الدينية، هذا بالنسبة عن جهاده والحديث عن جهاده طويل والذي يحب يرجع الى المصادر.
اما على الصعيد العلمي هذا المرحوم الجزائري اضافة الى انه بأعتباره من كبار زعماء الشيعة في العراق المرحوم السيد ابو الحسن الاصفهاني اناط به ادارة شؤون الشيعة وكان مستشاراً للمرحوم الاصفهاني في السياسة وفي الشؤون الاخرى وكان بيت المرحوم الشيخ عبد الكريم الجزائري في النجف الاشرف بمثابة الملجأ لكل العراقيين من مختلف البلاد، داره مفتوحة من الصبح الى الليل، ضيوف، اصحاب حوائج، اصحاب مشاكل، اصلاح ذات بين، وكان امام جماعة في المسجد المشهور بمسجد آل الجزائري في النجف الاشرف.
هذا العالم ورد في سلوكه وسيرته الذاتية ما كان يهادن، تعرف السياسيين يراوغون، يسمون النفاق مناورة، فما كان يساوم عن مبادئه ولايتراجع، اي خطوة فيها خذلان للوطن او مس بكرامة واستقلال العراق حتى كان عبد المحسن السعدون انذاك رئيس مجلس الاعيان كانت له خطبة كاملة يمجد بالشيخ الجزائري ويقول انا تشددي نابع من غيرة هذا الرجل والعالم الكبير.
لما عقدت الاتفاقية بين عبد المحسن السعدون رئيس مجلس الاعيان وبين الانجليز عام 1930 حول النفط فبكر صدقي و رشيد عالي الجيلاني وعبد المحسن السعدون قاطعهم الشيخ الجزائري لأن عرف بأن في هذا نوع من الغبن للعراق وان كان هو لم يقطع الصلة بهم ولما حدثت ثورة 14 تموز بقيادة قاسم عام 58 وقف منه موقفاً ايجابياً وكلنا يعرف ان الشيوعيين اجتازوا الساحة وملئوا الساحات والشوارع في عملية يعني نستطيع ان نسميهم انتقامية وردة فعل للاضطهاد فما سكت الشيخ عبد الكريم الجزائري وصار يخاطب عبد الكريم قاسم عبر قنوات خاصة يحذره من ان يحسب على الشيوعيين او ان يستغله الشيوعيين لأن هؤلاء جاءوا للعبث بالقيم الدينية فالشيخ عبد الكريم الجزائري ومجموعة من العلماء وفي مقدمتهم المستنفرين لهذا الاجراء في بيانات وفي برقيات وفي خطب وكانوا يحذرون القيادة انذاك الى ان صدرت الفتاوى التاريخية من المرحوم السيد محسن الحكيم وبقية المراجع والله سبحانه وتعالى انقذ العراق بل انقذ الشرق الاوسط كله من هذا الحزب الهدام وان كان بعد ذلك العراق ابتلي بحزب شرير عدو للاسلام واهل البيت اتعس من ذلك بكثير.
على اي حال الشيخ عبد الكريم الجزائري اعلا الله مقامه بعد حياة حافلة بالجهاد ونشر العلم اعتراه مرض شديد الم به وكان يصارع المرض من اجل ان يكمل بعض تأليفاته حتى ان الاطباء يقولون شيخنا اترك، يقول قبل ان اموت اكمل هذه بحوثي، كان مشغولاً رحمه الله في حاشية على المكاسب وشرح للرسائل وشرح للعروة الوثقى وحاشية الرياض واستطاع ان يكملها بالكامل وكأن الله سبحانه وتعالى امده بالعمر وان كان مقروناً بالمرض لكنه اكمل هذه البحوث فكان فرحاً مسروراً بهذا الانجاز.
انتقل هذا المجاهد الصلب الى جوار ربه في الخامس من شهر صفر عام 1382 هجرية وقد اهتز العراق لفقده، شيعته الجماهير بقبضها وقضيضها في النجف الاشرف وصلى على جثمانه المرجع الراحل السيد محسن الحكيم رضوان الله عليه ودفن في مقبرة الاسرة في محلة العمارة المعروفة بمقبرة آل الجزائري والتي هدمها طاغية العراق ضمن مشروعه الخبيث لدفن وازالة اثار اهل البيت واتباع اهل البيت.
اسأل الله لهذا العالم الجليل والمقدس والمجاهد الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******