من ابطال الصادقين وابطال الجهد والجهاد هو العالم الجليل الكبير الشيخ حسين بن عبد الصمد البهائي الجبعي الحارثي، طبعاً هو والد الشيخ البهائي المشهور والنتهي نسبه الى الحارث الهمداني صاحب الامام علي بن ابي طالب، هذا يا حار همدان من يمت يرني والشاعر يقول:
فلو كنت بواباً على باب جنة
لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
الشيخ حسين بن عبد الصمد البهائي هو من مواليد لبنان، منطقة جبل عامل هذه المنطقة الثرية بالعلم والعلماء، انتجت المئات من العلماء والمراجع، هو ولد هناك عام 918 هجرية وعاش اثني وستين سنة مشحونة بالجهاد والاعمال الصالحة والحسنات والسفرات المباركة.
في البداية تلمذ او تتلمذ على يد الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه وكان صاحبه يعني معه في بعض الاسفار واكب على طلب العلم حتى اصبح من نوادر الزمن، عالماً وكاتباً وشاعراً ومجاهداً واستطيع ان اقول ان الشيخ حسين بن عبد الصمد هو صاحب اليد الطولى في نشر كتب الحديث في ايران ومن يقرأ مؤلفاته يعرف مدى رسوخ قدمه وتضلعه في مختلف العلوم العقلية والنقلية.
هاجر الى ايران، قسم من علماء الجنوب استدعتهم السلطة الصفوية وقسم من علماء جنوب لبنان هربوا ولجأوا الى ايران كمنطقة امان بسبب البطش العثماني وبسبب مذبحة عدد كبير من العلماء مثل الشهيد الثاني، الاول وغيرهم، فهم هاجر وهرب بدينه الى ايران ووصل الى اصفهان التي كانت العاصمة لأيران في ذلك اليوم، احتفى به السلطان الصفوي طهماسب وكان يحضر السلطان مجلسه بنفسه ويستفتيه واذعن له علماء الاقطار انذاك واصبح اماماً لصلاة الجمعة وبعد فترة ذهب الى قزوين لنشر علوم اهل البيت ولمقاومة البدع والفتن التي انتشرت هناك في داخل الوجود الديني، كان لوجود هذا العالم في قزوين تأثير كبير وبركات مهمة.
بعد ذلك انتقل الى مشهد وصار يعرف هناك بشيخ الاسلام وكبير العلماء ثم بعد مدة انتقل الى مدينة هرات وكانت هرات التي الان هي جزء من افغانستان كانت هي جزء من ايران فتحها الصفويون، ثمان سنوات في مدينة هرات سكن ونشر تراث اهل البيت وهو ما كان يفكر براحته بل كان يفكر اين المنطقة الاجوع والافقر واين الفراغ ليمليه بعلم اهل البيت حتى ان التاريخ يقول صبا الكثير من الناس الى مذهب اهل البيت بعدما كانوا قد غشوا ولم يعرفوا حقائق الامور ثم بعد حياة حافلة بالطيبات انتقل الى الحجاز والديار المقدسة، استأجر بيتاً عند البيت الحرام بجوار الكعبة وكان يقضي معظم اوقاته في المسجد الحرام بالعبادة ولايخرج الا قليلاً لقضاء حاجاته وكان متنكراً بزي الدراوشة وعشر سنين هو بجوار الكعبة ثم تحول الى الاحساء وبقي فترة هناك ثم انتقل الى البحرين وكان عازفاً عن الدنيا تواقاً للاخرة، كان ينظم الشعر في المناسبات ويردد ابياته يعني يشرح حالته ووضعه:
بكيت والشمل مجموع لخوف نوا
فكيف حالي وشملي غير ملتأم
وكلما مت هجراً عشت من املي
فكم اموت وكم احيا من القدم
ثم يقول رحمه الله:
ونحن في سفر نمضي الى حفر
فكل آن لنا قرب من العدم
وايضاً له قصيدة رائعة هي من اجل قصائده حوالي تسعة وستين بيتاً يعرج فيها في الحديث عن اهل البيت صلوات الله عليهم فيقول:
من لم يكن ببني الزهراء مقتدياً
فلا نصيب له في دين جدهم
من لم يكن بقسيم النار معتصماً
فما له من عذاب النار من عصم
هم الولاة وهم سفن النجاة وهم
لنا الهداة الى الجنات والنعم
ومن سرا نحوهم اغناه نورهم
عن الدليل ونجم الليل في الظلم
رجوتهم لعظيم الهول من قدم
وهل يرجى سوى ذي الشأن والعظم
وفي هذه القصيدة ينتهي الى استنهاض الامام المهدي سلام الله عليه يقول له:
يا مظهر الملة العظمى وناصرها
لأنت مهديها الهادي الى الامم
لم يبق غيرك انسان يلاذ به
فأنت انسان عين الامن والكرم
شعر رائع، هيهات ان يأتي الدهر بمثل هذا الكلام.
المرحوم الشيخ حسين بن عبد الصمد البهائي يروى عنه انه رأى عقيقاً احمراً في مسجد الكوفة مكتوب عليه انا در من السما نثروني يوم تزويج والد السبطين كنت اصفى من اللجين بياضاً صبغتني دماء نحر الحسين، طبعاً هذه هي طريقة الكتاب او طريقة الخطباء يلتمسون الطرق الدعائية لأن ذلك اليوم قمع فكانوا يستخدمون هذه الوسائل لنشر فضائل اهل البيت.
طيب الشيخ حسين بن عبد الصمد البهائي له على صعيد التأليف اكثر من سبعة وعشرين مؤلفاً في مختلف العلوم والفنون اما انتقاله الى البحرين كما هو مشهور جاء بسبب رؤيا ابان اقامته في مكة الكرمة وهو انه شاهد في عالم المنام كأن قطعة من الارض قد رفعت فسأل عنها فقيل هذه البحرين تنقل الى الجنة فتأثر بالرؤيا وتحول الى البحرين ليقيم سنينه الاخيرة فيها ومن لطائف ما قرأت في حياة هذا العالم انه يكتب الى ابنه المرحوم البهائي يقول له داوم على قراءة هذه الايات الثلاثة، ماهي هذه الايات الثلاثة، آية 37 من سورة فاطر «أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ» الاية الثانية آية 13 من سورة الحجرات «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» هذه آيات حساسة، الاية الثالثة آية 83 من سورة القصص «تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» طبعاً هذه من الايات التي نزلت في الامام علي بن ابي طالب سلام الله عليه.
اصبح في البحرين اباً، ابوة ومرجعية عامة حتى وافاه الاجل في الثامن من ربيع الاول عام 984 هجرية ودفن في البحرين في منطقة هجر قبره يقع في منطقة مهمة لعلماء عظام لكن وللاسف يحزنني ان اذكر ان هذه المقبرة فيها عدد من مقابر لعلماء عظام تسلط النواصب على البحرين وخربوا المقبرة ودمروا الكتابة الموجودة في تلك الاسماء، بصعوبة اهل الخير تعرفوا على قبر الشيخ حسين عبد الصمد وبنوا عليه صخرة حديثة وبقية الصخرات لن استطع ولاغيري ان اقرأ التاريخ وهذا ضمن الحقد على الطائفة الامامية. رثاه ولده البهائي بقصيدة جميلة جاء فيها:
قف بالديار وسلها اين سلماها
وروي من جرع الاجفان جرعاها
ثم يقول:
ياجيرة هجروا واستوطنوا هجراً
واه لقلب معزا بعدكم واها
اقمت يا بحر في البحرين فأجتمعت
ثلاثاً كنا امثالاً وشباها
حويت من درر العلياء ما حويت
لكن درك اغلاها واعلاها
*******