من اعيان الصادقين وابطال الصادقين، الصادقين بوفائهم وجهادهم لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم هو الشهيد وابو الشهداء المجاهد المرحوم الحاج محمود المجيد الدجيلي تغمده الله بواسع رحمته، هذا المجاهد الشجاع هو من مواليد مدينة الدجيل المجاهدة في العراق عام 1920 ميلادية وتدرج ونشأ في اسرة محبة لآل البيت سلام الله عليهم وعرفت هذه الاسرة بتضحياتها وتعلقها بالحسين واهل بيته ونتيجة ملازمته لمجالس الحسين عليه السلام وصلاته بالخطباء والعلماء اصبح الحاج محمود المجيد كاتباً ومحققاً ومتحدثاً وصار له موقع اجتماعي في بلده بالذات وفي العراق كلاً، في ذلك الزمن المرحوم الاصفهاني اعلا الله مقامه، السيد ابو الحسن الاصفهاني اناط به بعض المهام التي كانت تتعلق بمنطقته او في مدينة بلد او في سامراء وكان لهذا الشهيد دور فاعل ونشط في تنظيم الدستور العراقي بعد استقلال العراق عقيب الحرب العالمية الثانية، في عهد مرجعية الامام الراحل السيد محسن الحكيم رضوان الله عليه كان الحاج محمود المجيد احد العناصر النشطة في مرجعية السيد الحكيم في منطقته بالدجيل وفي كل ارجاء العراق وكان السيد الحكيم رحمه الله معجب بهمته العالية وبشجاعته لمؤهلاته، السيد الحكيم له كلمة في حق هذا الرجل، يقول رحمه الله لو كان لي رجلان من شيوخ العشائر في العراق كالحاج محمود المجيد الدجيلي لغيرت وجه الشيعة في العراق وطبعاً كان السيد الحكيم لما يزور مدينة سامراء يمر بمدينة الدجيل ويحل ضيفاً عند هذه الاسرة او اسرة هذا البطل المجاهد الشهيد واذكر كلمة في حق هذا الرجل للخطيب الراحل السيد عبد الزهرة الحسيني صاحب كتاب مصادر نهج البلاغة قال ما اجتمعت بهذا الرجل يعني الحاج محمود المجيد الا وتعلمت شيئاً جديداً منه.
نظراً لمواقفه الجهادية ونشاطاته كان موضع حقد من الشيوعيين في العراق في فترة ما بعد ثورة 14 تموز 58 وتم اعتقاله واستجوابه لفترة وكان في المعتقل معه انذاك المرحوم المجاهد الشيخ بلاسم امير ربيعة واحدى التهم التي وجهت اليه وهو انه كان يقتني هدايا كان قد اهداها اليه الرئيس المصري انذاك عبد الناصر لما التقاه مع وفد عشائري من العراق، صممت السلطة انذاك ايام قاسم ابعاده الى منطقة سيبريا لكن تدخل الفريق احمد صالح العبدي في الافراج عنه ولكن فرضت عليه الاقامة الجبرية لفترة طويلة ومما ينقل عنه وسمعت ذلك مراراً من كبار اهالي مدينة الدجيل انه في عام 968 ميلادية كان الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف متجهاً من بغداد الى سامراء لأفتتاح سد الثرثار فمر بمدينة الدجيل فتوقف قليلاً وعقد هو ورئيس وزراءه طاهر يحيى اجتماعاً خاصاً بالحاج محمود المجيد والذي كان انذاك رئيساً للبلدية وضمن ذلك التقى وزير الداخلية انذاك شامل السامرائي به فكان مما ابلغ الوزير خطر تحرك البعثيين الكفرة للتسلط على العراق مجدداً لكن الوزير السامرائي استهان بهذه المعلومات وبدا واثقاً بالحكم وقوته ونفا ان تكون للبعثيين القدرة على العودة للحكم وسبحان الله لما حدثت الردة عام 68 في تموز وسجن من سجن فكان من السجناء وزير الداخلية المذكور وهنا ذهب الحاج محمود المجيد رحمه الله وبرفقته الحاج حاتم مهدي شيخ عشيرة المراسمة وفي السجن التقيا بالوزير فدار الحديث فقال له اتذكر لما ابلغتك، اعتذر اليه الوزير قائلاً ما كنت اعلم بأن لديك من المعلومات اكثر من وزير القطر وزير داخلية القطر بكامله ويقول وكم كنت افكر وانا في السجن كيف يكون شيخ عشيرة لديه معلومات عن هؤلاء وانا وزير داخلية لا اعلم شيء.
هذا الشهيد البطل الحاج محمود المجيد كان يتمتع بقوة اجتماعية كبيرة، كان احياناً يستنجد به قائم مقام سامراء لفض النزاعات العشائرية من اهل تلك المنطقة واكسبه شهرة واسعة في العراق وهذا كان اهم الاسباب التي دفعت طاغية العراق للحقد عليه حقداً شديداً كما هو شأن غيره من وجوه العراق السياسية والعلمية والدينية والعسكرية والشعبية فأدرج الطاغية اسم هذا الرجل على لائحة التصفية وازداد وضعه خطورة يوم قام المرجع الراحل السيد الحكيم بزيارته الحساسة الى الكاظمية والتي فسرها طاغية العراق بأنها تمهيد لأنقلاب على البعث الكافر حينها زار المرحوم الشهيد الحاج محمود المجيد السيد الحكيم ضمن وفد كبير من اهالي مدينة الدجيل البطلة وهذا كله زاد من تعاظم الحقد عليه من عصابات الطاغية فأعتقل هذا البطل وعذب كما اعتقل عدد من اولاده واستجوبوا لفترة واخلي سبيلهم ثم سجنوا، انا اتذكر له موقف جهادي يوم قرأت في مدينة الدجيل عام 76 في تلك السنة هاجمت عصابات البعث مجالس العزاء والمواكب وقوافل الزوار وفيها قتل احد مسؤولي فرقة البعث في المنطقة فوجدته رحمه الله يحضر بعض لوازمه الخاصة سألته اجابني بأنه متشاؤم وانه سيعتقل فأستغرب لماذا لن تختفي، قال بتعبيره الشعبي يخسأ هؤلاء ان اختفي عنهم وفعلاً رحمه الله اعتقل مع جمع كبير من شبان الدجيل كما اعتقلت انا معهم وشبان ايضاً من مدينة بلد كانوا معنا وبعد فترة اخبروني الذين افرج عنهم عن دهشتهم من هذه الشخصية، شخصية هذا الرجل الحاج محمود المجيد كيف كان يعذب اشد انواع التعذيب وما كان يتظاهر بالتأثر لما يعاد الى زنزانته، كان يظهر بمظهر الواثق من نفسه حتى بعض الشباب سألوه قالوا انت لن تصرخ ولن تصيح ولن تستغيث كان يقول انا اكبر واربى من ان اشكو واظهر جزع امام هؤلاء الجبناء الاراذل من اقزام اللعين عفلق، بعد هذه الاحداث المؤلمة التي حصلت في العراق من استلام الطاغية رئاسة الجمهورية ثم المرحلة الجديدة وهي انتصار الثورة الاسلامية في ايران هذا كله زاد من احتقان الموقف ثم في اواسط الثمانينات حدثت عملية اغتيال الطاغية في مدينة الدجيل فهوجم البلد وهوجم اهله واحرقت المزارع بالكامل وسبي النساء واعتقل الصغار والكبار والرجال والنساء واعدم قرابة مئتين من اهل هذا البلد ولكن هناك عدد من وجوه البلد انمحت اثارهم واختفوا ومن جملة هذه الوجوه التي اختفت اثارها هو هذا الرجل البطل وعدد من اولاده وجاءت بعض الاخبار بأن الطاغية استدعاه واجرى معه مواجهة خاصة وكان يشترك في التحقيق اخوه القاتل برزان التكريتي وكان الحاج الشهيد محمود المجيد يجيب بضراوة وببطولة حتى انه سأله الطاغية انت من حزب الله فقال: نعم انا من حزب الله ولست من حزب الشيطان، انطعن صدام حسين وكان يجيبه ويقول القرآن: يصنف الناس نوعين المؤمن هو من حزب الله والغير المؤمن الشيطان الفاسق هو من حزب الشيطان فكل انسان يعتز بدينه يغار على دينه ويغار على قيمه ويغار على مبادئه هذا في عرف القرآن والدين هو من حزب الله.
على اي حال هذا الشهيد البطل الحاج محمود المجيد الدجيلي هو وعدد من اولاده اختفوا ولايدرى هل هم ضمن المقابر الجماعية التي دفن فيها المئات والالاف احياء ولم يعرف له اثر الى هذا اليوم، أسأل الله لهذا الشهيد البطل الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******