الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن رجالات الصادقين الابرار العالم والعامل والفقيه الاديب المرحوم السيد عباس شبر اعلا الله مقامه، هذا العالم الجليل هو من مواليد البصرة، ولد هذا الرجل الكبير في البصرة عام 1322 هجرية ونشأ وترعرع في كنف والديه وهما ينحدران من اسرة كلها علماء اجلاء، اسرة آل شبر وفي طليعتهم قائد المعرفة والتفسير السيد عبد الله شبر اعلا الله مقامه والسيد عباس شبر تدرج حتى اصبح من الفقهاء العظام وكان رحمه الله يعد حسنة من حسنات الزمن ونابغة من نابغات الدهر وكان عظيماً في عيون الناس بقدر صغر الدنيا وملذاتها في عينه يعني كانت الناس تعظمه لأنه ادار ظهره للدنيا وملذاتها وكان بالاضافة الى فقاهته كان فصيحاً ينال اعجاب مستمعيه وزملاءه وقد عرض عليه منصب القضاء في مدينة العمارة في العراق بالاربعينيات تسمى اليوم بمحافظة ميسان فرفض يعني طبعه بعيد عن حياة الظهور والبهرجة والمنصب الا ان المرجع الديني الراحل السيد ابو الحسن الاصفهاني رضوان الله تعالى عليه الح عليه بقبول القضاء نظراً للحاجة الملحة والا يقع المنصب بغير اهله ولما يقع المنصب بغير اهله هذه كارثة وانتكاسة كبيرة فنظراً لالحاح السيد الاصفهاني قبل وانيط اليه منصب القضاء في البصرة وفي العمارة وفعلاً كان مثلاً رائعاً في النزاهة وفي الجدارة وكان حريصاً على تطبيق احكام الشرع دون مبالاة او مجاملة، كان يردد رحمه الله بيتين جميلين له يذكر فيهما حبه للمنبر والخطابة وخدمة الدين والبيتان هما:
لو لا شؤون شرحها محزن
تهدد الحر بما يخشى
ما كنت بالمنبر مستبدلاً
ما عشت كرسياً ولا عرشا
اما من حيث تقواه ومن حيث ورعه كان رحمه الله مواظباً، يعني الزم نفسه على ان لا يجلس للقضاء الا على وضوء وكان رحمه الله يقضي شطراً من الليل بالدعاء والابتهال وكان زاهداً في حياته مترسلاً كما هو يقول في شعره:
لقد اعرضت عن دنيا
بها لا يرتجى الخير
واقبلت على الاخرى
اليها ينتهي السير
فكان رحمه الله كما عرفته وادركته يتمتع بحديث معجب واذا ما استرسل بكلامه يسحر الحضار بأدبياته وشواهده واذكر مرة سمعته حينما نظم عن انقلاب المفاهيم واختلاط الاوراق، انعدام المقاييس فكان يقول:
ليس في الدنيا مقاييس
اذ ليس فيها من يقيس
ثم يقول:
قد نصحت الطاووس ان يتعرى
اذا تساوى الغربان والطاووس
تعبير جميل، تشبيه جميل رائع، يعني لا يوجد اي تمييز بين الطاووس وبين الغراب وللمرحوم السيد عباس شبر اعلا الله مقامه مواقف وعطاء ادبي مهم في الحسين عليه السلام ومن اروع ما رثا به جده الحسين قصيدته ذات القافية الغريبة والصعبة فيقول في هذه القصيدة طبعاً القصيدة طويلة، يخاطب الحسين عليه الصلاة والسلام:
يا باذلاً في سبيل الحق مهجته
وما حقاً كل تمويه وتأسيس
ومنقذاً شرف الاسلام من فئة
يزيدها البغي تدنيساً لتدنيس
في ذمة الدين ما ارخصت من مهج
للدين سلت على السمر المداعيس
ثم يقول رحمه الله مخاطباً الحسين عليه السلام:
هذا ضريحك كم حج الملوك له
فأين قر الخنا في اي ناووس
خصمك يزيد اين قبره، اين زواره، اين معالمه، اين مكانه، يقول للحسين عليه السلام:
هذا ضريحك كم حج الملوك له
فأين قر الخنا في اي ناووس
صلى عليك الذي اولاك منزلة
دانت لعلياءها علياء ادريس
هذا العالم المرحوم السيد عباس شبر فجع بحياته فجيعة كبيرة لأن من اعز المصائب فقد الولد، فقد ولده الاكبر على اثر مرض عضال وهو السيد نعيم الدين وكان طالباً مجداً موهوباً فأرتج السيد عباس شبر بسبب فقد ولده وانهد ركنه واتخطر اني كنت حاضراً في تشييع ولده وساعة دفنه كاد ان يسقط السيد ميتاً متأثراً بالمصيبة التي نزلت به وفي تأبين ولده بذكرى اربعينه القى قصيدة تقطعت قلوب الحضار عند سماعها، قصيدة رائعة نظمها مليئة بالمضامين وبالعظاة وبالعبر، مطلع القصيدة يخاطب ولده، يرثي ولده:
رثاءك ام قلب يذوب ويفجع
وانشودة ام مهجة تتقطع
ثم يقول:
هو الموت ما منه مفر لهارب
وما هربي يوماً من الموت ينفع
واي اجتماع لا يبدد شمله
واي فؤاد بالردى لا يروع
اذا طال عمر المرء طال عناءه
واشقاه من احبابه من يودع
وعاثت تصاريف الزمان بجسمه
ففي كل يوم جانب يتضعضع
تساقط اسنان ويضعف ناظر
وتقصر خطوات ويثقل مسمع
ارى الدهر بالداء العضال يلوكنا
لتبلعنا الارض التي ليس تشبع
على كل كانت قصيدة لها موقعها وتأثيرها واخيراً اذكر له بيتين في الحسين عليه الصلاة والسلام ارتجلهما في مجلس كان يحضر فيه والبيتان هما:
هتفت لك الاملاك
والعلياء تصفق باليدين
ذهبت سفر الحق من
دمك المخضب يا حسين
في الختام اقول ان اكثر من احد عشر كتاباً كتب عنه وترجمه وكلما قرأت له ترجمة وجدتها ناقصة لأني كنت ملماً بطباعه وسجاياه.
توفي هذا العالم الاغر رحمه الله ليلة الجمعة في الثامن من شهر شوال عام 1391 هجرية وطبعاً هذا اليوم الثامن من شوال يوم مشؤوم هدم في الوهابيون النواصب مقبرة ائمة البقيع صلوات الله وسلامه عليهم عام 1344 هجرية، شيع هذا العالم الكبير تشيعاً مهيباً ووري الثرى في الصحن الحيدري في النجف الاشرف ورثاه العديد من الشعراء بقصائد مهمة وجميلة، أسأل الله له الرحمة والرضوان وان يتغمده برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******