بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهدى والإيمان ثم أفضل الصلاة وأتم التسليم على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. حضرات المستمعين الأطائب سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات، تحية طيبة مباركة لكم أينما كنتم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها تفسير ما تبقى من آيات سورة المدّثّر المباركة..
نستهل برنامجنا هذا، أيها الأفاضل، بالإستماع الى تلاوة مرتلة من الآيات الثامنة والثلاثين حتى السابعة والأربعين من سورة المدّثّر..
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ{38} إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ{39} فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ{40} عَنِ الْمُجْرِمِينَ{41} مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ{42} قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ{43} وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ{44} وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ{45} وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ{46} حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ{47}
أيها الأكارم، تشير هذه الآيات المبينات إلى أن في يوم القيامة ستكثر الحوارات المريرة والسعيدة، السلام أو اللعن، السؤال والتوبيخ، تحميل الذنب للآخرين وإلقاء اللوم عليهم ولعنهم.
كما تشير هذه الآيات المباركة، أحبتنا المستمعين، إلى أن المقصود من إطعام المسكين إما أن يكون الزكاة الواجبة والتي يستلزم تركها دخول جهنم، وإما المقصود أنه وإن أديت الزكاة إلا أنه ثمة جوعى في المجتمع إطعامهم واجب، وعدم الإهتمام بهم سبب لدخول جهنم.
أما المقصود من "اليقين" في الآية السابعة والأربعين، هو الموت، إما لأنه أكثر أمر متيقن عند الجميع ولا يشك أحد بوقوعه، وإما لأن الحقائق كلها تتكشف للإنسان عند الموت ويصل الجميع إلى درجة اليقين والتصديق.
وقد ورد عن الإمام الباقر (ع): (نحن وشيعتنا أصحاب اليمين وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون).
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الكريمة أولاً: تصرفات الإنسان هي التي تبني شخصيته.
ثانياً: طرح الأسئلة المتتالية على المجرمين يوم القيامة هو ضرب من التعذيب النفسي.
ثالثاً: إطعام المسكين واجب وإن لم يكن مسلماً.
رابعاً: الإنخراط بالجماعة الفاسدة هو أحد أسباب دخول جهنم.
أما الآن، إخوتنا الكرام، ندعوكم للإستماع إلى تلاوة الآيات الثامنة والأربعين حتى الخامسة والخمسين من سورة المدّثّر المباركة..
فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ{48} فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ{49} كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ{50} فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ{51} بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً{52} كَلَّا بَل لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ{53} كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ{54} فَمَن شَاء ذَكَرَهُ{55}
أيها الأكارم، كلمة "حمر" هي جمع "حمار" وتطلق على الحمار الوحشي؛ و"قسورة" من " قَسر" بمعنى القهر والغلبة وهو أحد أسماء الأسد وتُستخدم في بعض المواضع بمعنى الصياد. والظاهر أن المقصود هو فرار الحمر من الصياد أو من الأسد.
وقد جاء في بعض الروايات أن أباجهل وجماعة من قريش قالوا لرسول الله (ص): لن نؤمن بك حتى تأتي لنا بكتاب من السماء كُتب فيه: من خالق العالمين إلى فلان بن فلان ويرد فيه أمر صريح لنا، عندها سنؤمن.
ومما نستهلمه من هذه الآيات الشريفة أولاً: الإستخفاف بالصلاة والإنفاق وإطعام المحتاجين وإهدار العمر، أسباب للحرمان من الشفاعة يوم القيامة.
ثانياً: يأذن الله تبارك وتعالى لأشخاص يوم القيامة بأن يشفعوا للآخرين؛ ولكن لا يملك كل الناس شروط استحقاق الشفاعة.
ثالثاً: طلبات الكفار غير المنطقية للإيمان، هي ليست إلا ذرائع.
رابعاً: يملك الإنسان الإرادة والحرية في اختيار العقيدة والفكر.
وخامساً: للقرآن أرضية مناسبة لهداية البشر؛ ولكن الإستفادة من هذه الأرضية والإهتداء مرتبط بإرادة الإنسان.
إخوة الإيمان، ندعوكم الآن للإستماع الى تلاوة الآية السادسة والخمسين وهي آخر آيات سورة المدّثّر المباركة..
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ{56}
مما نتعلمه من هذه الآية المباركة أيها الكرام، أولاً: مع أن الإنسان يملك الإختيار؛ ولكن إرادته وحدها ليست كافية، فإن لم يرد الله فلن يحدث شيء.
ثانياً: لا يمكن الإستفادة من المواعظ الإلهية إلا بتوفيق من الله عزوجل.
ثالثاً: الكفار المعاندون صعبو المراس لا يؤمنون بأي قيمة كانت، إلا أن يشاء الله ويجبرهم على ذلك، ولن يقوم الله بذلك.
ورابعاً: فقط الله سبحانه وتعالى يستحق أن نتقيه ونخشاه، وإذا ما أخطأنا فهو وحده من يغفر لنا ويعفو عنا.
مع إتمام تفسير سورة المدّثّر، أيها الأطائب، وصلنا وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر تقبلوا تحياتنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، دمتم بخير وفي أمان الله.