بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين ثم الصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الأكارم سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات وأهلاً ومرحباً بكم أينما كنتم وأنتم تتابعون برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنواصل في حلقتنا هذه على بركة الله، تفسير آيات سورة المدّثّر المباركة إبتداءً بالإستماع الى الآيات السادسة والعشرين حتى الثلاثين منها..
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ{26} وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ{27} لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ{28} لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ{29} عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ{30}
أيها الكرام، كلمة "سقر" من أسماء جهنم، وتعني في الأصل، الذوبان مقابل حرارة الشمس، أجارنا الله منها. وأما التلويح بمعنى تغيير اللون إلى الأسود أو الأحمر. و"بَشَر" جمع "بَشَرة" وتعني ظاهر الجلد.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات الشريفة أولاً: لا يمكن إدراك حقيقة جهنم إلا عن طريق الوحي.
ثانياً: نار جهنم واسعة شاملة ولا تنطفئ كذلك.
ثالثاً: جزاء من يغير الوحي الإلهي ويصور للناس أنه سحر هو أن يتغير جلد جسمه في نار جهنم.
ورابعاً: إذا كان بمقدور ملك واحد أن يقبض روح جميع الناس، وبمقدور ملكين إثنين أن يخسفوا مدينة لوط ويهلكوا أهلها، فبإمكان تسعة عشر ملكاً أن يتولوا مسؤولية تعذيب المجرمين.
أيها الأحبة، ندعوكم في هذه اللحظات إلى الإستماع لتلاوة الآية الحادية والثلاثين من سورة المدّثّر المباركة..
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ{31}
أيها الأفاضل، ينقل الفخر الرازي في التفسير الكبير: يبعث العدد تسعة عشر، اليقين عند أهل الكتاب والمسلمين من جوانب عدة منها: لأن هذا العدد نفسه قد ورد في الكتب السماوية السابقة أي التوراة والإنجيل، فقال أهل الكتاب: كيف لشخص لم يقرأ ويدرس أن يطلع على هذا؟ لابد أنه قد أوحي إليه إذاً.
ومنها سيكون إيمان أهل الكتاب بحقانية القرآن سبباً في ازدياد إيمان المسلمين.
ومنها تعيين عدد المأمورين بتسعة عشر، قد يكون دافعاً لسخرية بعضهم وتعجبهم، والإنسان عادة لا يقول شيئاً ليضحك الناس منه، وبما أن القرآن قد ذكر هذا العدد على أنهم الملائكة الموكلين بجهنم، فيصبح واضحاً عندها أنه كلام الوحي.
ونسبت بعض آيات القرآن إضلال الناس إلى الله تعالى، مثل الآية التي تقول (يضل الله من يشاء) لكن يجب أن نعلم أن المقصود من الإضلال هو ترك الشخص بحال نفسه؛ أي أن الله يكل الطالحين إلى أنفسهم. مثل المزارع الذي يترك الحبوب الفاسدة ويضعها جانباً ويحتفظ بالحبوب الجيدة ويهيئء لها الأسباب للنمو.
أما الآن، إخوة الإيمان، نشنف آذاننا بالإستماع الى تلاوة الآيات الثانية والثلاثين حتى السابعة والثلاثين من سورة المدّثّر المباركة..
كَلَّا وَالْقَمَرِ{32} وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ{33} وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ{34} إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ{35} نَذِيراً لِّلْبَشَرِ{36} لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ{37}
مفردة "أسفر" جاءت من (سفر) بمعنى كشف الستار والإظهار، وتطلق كلمة "سافرات" على النساء غير المحجبات.
أما "كبر" جمع (كبرى) أي أن العذاب الذي ذكر في الآيات السابقة، ليس إلا أحد عذابات الله الكبيرة وثمة عذابات أخرى كبيرة.
وتشير هذه الآيات الكريمة إلى أن القمر من آيات الله الكبرى، فهو يدور حول الأرض، ينير في السماء ويعتبر تقويماً طبيعياً ويسبب الجزر والمد وله أدوار في الكون، ولهذا استحق أن يكون موضعاً للقسم.
و جاء عن الإمام الكاظم (ع) أنه فسّر قوله تعالى (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) بالتقدم والتأخر عن جهنم وإليها، وربط ذلك بإختيار ولاية أهل البيت ورفضها.
ومما نستلهمه من معين هذه الآيات المباركة أولاً: تتمتع مخلوقات الله الطبيعية بأهمية تجعلها أهلاً للقسم.
ثانياً: تحذيرات نبي الإسلام موجهة إلى البشر جميعاً وهي ضرورية لإرشادهم.
ثالثاً: يملك الإنسان الإرادة والإختيار.
ورابعاً: الإنسان المتدين متقدم على الآخرين والإنسان الذي لا دين له متأخر.
أيها الإخوة والأخوات، مع ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" تقبلوا شكرنا الجزيل لكم لحسن استماعكم وطيب متابعتكم لهذا البرنامج، فحتى الملتقى في حلقة مقبلة دمتم سالمين وفي أمان الله.