بسم الله وله الحمد والمجد دائماً وأبداً والصلاة والسلام على أشرف الخلق وخاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. أحبتنا المستمعين الأكارم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، طابت أوقاتكم بخير وأهلاً بكم وأنتم تستمعون الى برنامجكم القرآني "نهج الحياة" وتفسير موجز آخر من آي الذكر الحكيم..
أما في حلقتنا هذه أيها الأطائب سنشرع بتفسير سورة المدّثّر المباركة نستهلها بالإستماع الى تلاوة آياتها السبع الأولى، فكونوا معنا على بركة الله..
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4} وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ{5} وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ{6} وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ{7}
وردت كلمة " قُم " مرتين في القرآن الكريم، وفيها كانت خطاباً للنبي الأكرم (ص) إحداهما لصلاة الليل وبناء النفس بقوله تعالى (قم الليل) والأخرى للإرشاد وبناء المجتمع حسب قوله عزوجل (قم فأنذر).
وأما مفردة (مدّثّر) أيها الأحبة، فجاءت من (دثار) وهو اللباس الذي يوضع على الجسم فوق الثياب الملبوسة أو يستخدم كغطاء عند النوم.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه فسر تطهير الثياب في الآية بالتقصير؛ فقد كان لباس كبار القوم في الجاهلية طويلاً لدرجة أن جزءً من الثوب كان يزحف وراءهم على الأرض كانوا يستأجرون أفراداً ليحملوا لهم ذلك الجزء.
وكلمة "رجز" مرادفة لـ (رجس) بمعنى الفسق والنجاسة؛ ولهذا تستخدم في موارد الذنب والشرك والأصنام والعذاب وكل عمل أو خلق سيء.
أما تكبير الله يعني تصغير غيره، فمن يكون الله عنده كبيراً ويقول (الله أكبر) من صميم وجوده، تكون الدنيا عنده صغيرة ولا يخشى أي قوة.
ومن تعاليم هذه الآيات المباركة يمكن القول أولاً: تشمل عناية الله الخاصة واهتمامه، كل أحوال النبي الأكرم (ص).
ثانياً: نجاة الناس مشروطة بتحرك القادة الدينيين وتركهم للإستراحة والإنزواء.
ثالثاً: الإنسان معرض لأنواع من المخاطر، وتكليف الأنبياء هي تحذير الناس من الأخطار الدنيوية والأخروية.
رابعاً: بناء النفس مقدم على بناء المجتمع، من يريد أن يطهر المجتمع من كل أنواع النجاسات، يجب أن يطهر نفسه أولاً.
وخامساً: السعي والإصرار وسيلتان لرشد الإنسان.
أما الآن، أيها الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة الآيات الثامنة حتى الرابعة عشرة من سورة المدّثّر المباركة..
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ{8} فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ{9} عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ{10} ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً{11} وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً{12} وَبَنِينَ شُهُوداً{13} وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً{14}
"الناقور" عزيزي الستمع، هو الشيء الذي يُدق عليه لإصدار صوت، من مثل الطبل، أو ينفخ فيه كالبوق، والمقصود به هنا النفخ في الصور كما ورد في الآيتين الواحدة بعد المئة من سورة المؤمنون والآية الثالثة عشرة من سورة الحاقة حيث يقول تعالى (فإذا نفخ في الصور).
وحول شأن نزول هذه الآيات الشريفة فقد ورد أنه كان ثمة مركز باسم (دار الندوة) بجانب مسجد الحرام، حيث كان المشركون يجتمعون فيه للتشاور، وكان منهم الوليد بن المغيرة، مشهوراً بدرايته، فقال مرة: دعونا نوحد كلامنا لمواجهة محمد، ونعطي زائري الكعبة جواباً واحداً حوله، فقرروا أخيراً أن يقولوا إن محمداً ساحر ويفرق بين أبناء الأسرة الواحدة، والأشخاص الذين آمنوا به قد انفصلوا عن أفراد عائلتهم في البيت الواحد.
ويقول الله تعالى في هذه الآيات عن الوليد: لقد خلقته وجعلت له الكثير من المال والبنون؛ ولكنه أساء استخدام فكره وقدراته وواجه النبي، فليهلك إذاً.
والمقصود من "وحيداً" في (خلقت وحيدا) مستمعينا الكرام، هو أحد المعاني التالية: أولاً: كلمة (وحيد) هي صفة للمخلوق، أي إنه كان وحيداً عاجزاً وفقيراً وأنا أنعمت عليه.
ثانياً: كلمة (وحيد) هي صفة للخالق، أي أنا خلقته وحدي وأنا من سأحاسبه وحدي.
أما الآن، إخوتنا الأكارم، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة مرتلة من الآيات الخامسة عشرة حتى الخامسة والعشرين من سورة المدّثّر المباركة..
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ{15} كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25}
كلمة "صَعود" أيها الكرام، بمعنى الطريق المرتفع وتعني المشقة الصعبة التي يكون العبور منها وتجاوزها أمراً شاقاً وصعباً.
والمراد من "قدر" هو التقدير، أي المقارنة بين القرآن والسحر والشعر والتكهن.
ومما نتعلمه من هذه الآيات المباركة أولاً: الإنسان البعيد عن الله، طماع وطالب للمزيد.
ثانياً: إذا ما تمكن العناد من الإنسان، فإنه سيكذب الآيات الإلهية.
ثالثاً: ليس لكل فكر قيمة، وليس لكل مفكر مقام.
ورابعاً: لحظة من التفكر تستطيع أن تكون مقدمة للخير أو للشر لفترات طويلة.
بهذا، مستمعينا الأعزة، وصلنا الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر نستودعكم الباري تعالى ولكم منا أطيب المنى والدعوات.