بسم الله وله الحمد دائماً وأبداً ثم الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين.. أحبتنا المستمعين في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات وأهلاً ومرحباً بكم الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" وتفسير سورة أخرى من سور القرآن الكريم ألا وهي سورة المعارج، فابقوا معنا مشكورين..
أيها الأفاضل، تحتوي هذه السورة على أربع وأربعين آية وهي من السور المكية، وإن كانت آياتها الأولى قد نزلت في المدينة المنورة؛ فهي كغيرها من السور المكية تتحدث عن المعاد وإنذار المشركين والمخالفين. والجزء الآخر منها يتحدث عن أحوال الكافرين يوم القيامة وصفات أهل النار والجنة وخصائصهم.
أما الآن، إخوتنا الكرام، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الرابعة من سورة المعارج المباركة..
بسم الله الرحمن الرحيم.. سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ{1} لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ{2} مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ{3} تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{4}
جاءت كلمة "المعارج" أيها الأكارم، من العروج بمعنى الصعود، والمقصود بها السموات التي هي محل عروج الملائكة وصعودهم.
وحول شأن نزول هذه الآيات ينقل المفسرون أنه يتعلق بشخص كان قد قال للنبي (ص): أكان تنصيب علي للخلافة يوم الغدير من قبلك أم من قبل الله؟! أمرتنا بالحج والزكاة وقبلنا، ولم ترض إلا أن تؤمّر ابن عمك علينا! ثم قال: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من المساء) (إشارة إلى الآية الثانية والثلاثين من سورة الأنفال) فنزل حجر عليه فأهلكه، ثم نزلت آية (سأل سآئل بعذاب واقع).
ومما نستلهمه من هذه الآيات أولاً: من الضروري التذكير بالحوادث الفردية والجزئية حتى يعتبر الآخرون ويجب أن تُحفَظ هذه الحوادث.
ثانياً: يمكن أن يكون الطلب الذي ليس في محله والناشئ عن العناد، سبباً لوقوع أحداث عظيمة.
وثالثاً: طالما أن العذاب الإلهي لم ينزل بعد، فإن باب التوبة ودفع العذاب بالصدقة مفتوح؛ ولكن العذاب النازل ليس له دافع.
مستمعينا الكرام، ندعوكم في هذه اللحظات للإستماع الى تلاوة الآيات الخامسة حتى التاسعة من سورة المعارج المباركة..
فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً{5} إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً{6} وَنَرَاهُ قَرِيباً{7} يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ{8} وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ{9}
أيها الأكارم، دعا الله تعالى نبيه في القرآن الكريم إلى الصبر ما يقارب العشرين مرة، دعاه إلى الصبر الجميل الذي ليس فيه جزع وفزع أو كلام بذيء؛ وُجّه الخطاب بالصبر إلى النبي الأكرم وإلا فإن الصبر واجب على كل الأمة.
ومن تعاليم هذه الآيات المباركات يمكن القول أولاً: حتى النبي (ص) يحتاج إلى توصية بالصبر والثبات.
ثانياً: من يرى أن القيامة قريبة، يصبر ويثبت أمام المصائب.
وثالثاً: سينتهي النظام الموجود في السماء في يوم من الأيام ويفنى.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين إلى تلاوة الآيات العاشرة حتى الثامنة عشرة من سورة المعارج المباركة..
وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً{10} يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ{11} وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ{12} وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ{13} وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ{14} كَلَّا إِنَّهَا لَظَى{15} نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى{16} تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى{17} وَجَمَعَ فَأَوْعَى{18}
كلمة "يفتدي" أيها الكرام، بمعنى إعطاء الفدية مقابل الخلاص والنجاة، والفصيلة هي العائلة التي انفصل الإنسان منها؛ وأما مفردة "تؤويه" فمن (مأوى) بمعنى اللجوء؛ واللظى لهب النار الخالص. وأوعى من (وعاء) والمقصود بها حفظ شيء بالوعاء. والشوى تطلق على جلد أطراف الجسم.
وبحسب هذه الآيات، عزيزي المستمع، أربعة عوامل تؤدي إلى جهنم وهي: أن يعرض الإنسان عن الحق وأن ينفر بقلبه ويشيح بوجهه وأن يجمع الثروة وألّا يعطي الآخرين.
ومما نستقيه من معين هذه الآيات الشريفة أولاً: لا تتعلقوا بالصداقة والروابط الدنيوية الحميمة، فإنها لا تنفع في الآخرة.
ثانياً: يريد المجرم في ذلك اليوم أن ينجو من العذاب بأي قيمة.
ثالثاً: غريزة حب الذات من أقوى الغرائز.
ورابعاً: نار جهنم لها شعور، وتعرف المجرم.
إخوة الإيمان، إلى هنا وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" ختاماً تقبلوا تحيات إخوتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. فحتى الملتقى في الحلقة القادمة دمتم بخير وفي أمان الله.