بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله حمد الشاكرين ثم الصلاة والسلام على خير الأنام وحبيب الله محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. مستمعينا الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأنتم معنا وهذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنبدأ فيها بإذن الله تفسير سورة القلم المباركة بالإستماع الى تلاوة آياتها الأولى حتى الرابعة فابقوا معنا مشكورين..
بسم الله الرحمن الرحيم..
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ{1} مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ{2} وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ{3} وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ{4}
كلمة (ممنون) أيها الكرام، إذا كانت من (مَنّ) فبمعنى القطع، وهي الأجر غير المنقطع، وأما إن كانت من (مِنّة) فتعني أن الألطاف الإلهية من دون منة؛ والظاهر أنها تحمل المعنى الأول؛ لأن تمنن الله على عباده ليس عيباً؛ بل هو باعث على الشكر والطاعة له.
وتشير الآية الأولى إلى أن دور القلم أهم وأقوى من دور اللسان والسيف والمال والشهرة والولد، لأن القلم ينقل تجربة الأجيال بعضها إلى بعضها الآخر وينمي الثقافة؛ كما يمكن توعية الناس بالقلم ويمكن إغفالهم، ويمكن إعزاز الأمة بالقلم ويمكن إذلالها؛ القلم هو صراخ صامت، القلم مستند رسمي وهو يخبرنا عما حصل في التاريخ. فالقسم بالقلم دليل على الحضارة والثقافة والإستناد إلى القلم هو استناد الى البرهان والإستدلال.
أجل، عزيزي المستمع، الأمة العزيزة هي الأمة القوية في علمها وقدرتها وإقتصادها.
ومن تعاليم هذه الآيات البينات يمكن القول أولاً: القسم بالقلم بدلاً من القسم بالبيان فيه تحفيز على التعلم وبيان لمقام العلم.
ثانياً: حصانة النبي وعصمته من تجليات العناية والألطاف الإلهية.
ثالثاً: إن غضضنا النظر عن إثابة الناس لنا، سنصل إلى الثواب الإلهي.
رابعاً: يُعطى الثواب الأبدي للشخص الذي يكون خُلقه عظيماً.
وخامساً: إن النبي الأكرم (ص) معجون بالكمالات ومتملك لها.
أيها الإخوة والأخوات، ندعوكم الآن للإستماع الى تلاوة الآيات الخامسة حتى السابعة من سورة القلم المباركة..
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ{5} بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ{6} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{7}
جاء في الروايات، أيها الأحبة، عندما رأت قريش أن النبي (ص) يقدم الإمام علياً (ع) على الآخرين، قالت قريش: لقد فُتِن محمد به، فنزلت الآيات؛ وتحمل هذه الآيات كذلك نوعاً من تبشير نبي الإسلام بالنصر على المشركين.
ومما تعلمنا هذه الآيات المباركة أولاً: يواسي الله تعالى نبيه في مواجهته مع الكفار.
ثانياً: المستقبل يوضح الحقائق بقوله تعالى (فستبصر ويبصرون).
ثالثاً: الكافر الذي يرفض براهين الأنبياء الواضحة عن علم وعمد، يستحق أن يوصف بالمجنون.
ورابعاً: لا يندفع إدعاء الهداية للنفس أو نسبة الضلال للآخرين، فإن الله هو الذي يعلم المهتدي الحقيقي من الضال الحقيقي.
أما الآن، أيها الأحبة، نصغي معاً خاشعين إلى تلاوة الآيات الثامنة حتى السادسة عشرة من سورة القلم المباركة..
فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ{8} وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{9} وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ{10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ{11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ{13} أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{15} سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ{16}
كلمة "تدهن" أيها الكرام، جاءت من الدهن بمعنى السمن والمقصود الليونة والتساهل والتفاهم. و"هماز" من (هَمز) بمعنى يبحث في العيوب وهي مرادفة لكلمة (عيّاب).
(مشآء بنميم) يعني يسعى بكل جهده للنميمة، أما المقصود من (مناع الخير) هو البخل بالمال؛ لأن القرآن قد استخدم كلمة الخير في حديثه عن المال. و"زنيم" تطلق على الشخص الذي ليس له أصل ونسب محدد ولا ينسب لقوم. يقول إمامنا الصادق عليه السلام: (العتل العظيم الكفر، والزنيم المستهزئ بكفره).
ومما نستنتجه من هذه الآيات الشريفة أولاً: الأخلاق الحسنة مصاحبة للنفور والإبتعاد عن المنحرفين.
ثانياً: لا تغفلوا عن مخططات العدو، فيسعى الأعداء إلى حملكم على المداهنة.
ثالثاً: إن التساهل مع العدو هو بمثابة إطاعته، والمقصود من النهي عن الإطاعة هو النهي عن التساهل والمداهنة.
رابعاً: وضاعة الذات وامتلاك الإمكانات الخارجية، من أسباب الفتنة والفساد.
خامساً: إمتلاك الكفار للقوة والثروة ليس عذراً لمداهنتهم.
وسادساً: يعذب الله تعالى المتكبرين يوم القيامة بحيث تبقى فيها آثار العذاب على أجسامهم.
إخوة الإيمان، بهذا وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" آملين أن قد نالت رضاكم، فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر من آي الذكر الحكيم، نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.