بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبة المستمعين سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية طيبة مباركة لكم أينما كنتم وأنتم برفقتنا وحلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث سنشرع فيها بإذن الله تفسير سورة المنافقون فابقوا معنا مشكورين..
أيها الأفاضل، ورد التأكيد على تلاوة سورة المنافقون في صلاة الجمعة، وربما جاء هذا التأكيد لأن الأمة الإسلامية يجب دائماً أن تكون منتبهة من دسائس المنافقين.
أما الآن، أيها الكرام، ندعوكم للاستماع إلى تلاوة الآيات الأولى حتى الثالثة من سورة المنافقون المباركة..
إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ{1} اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{2} ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ{3}
أيها الأكارم، جاءت كلمة "النفاق" من "النفق" وهو قناة تحت الأرض تستخدم للهروب أو للإختباء، وكذلك المنافق، فإنه يجعل لنفسه طريقاً مخفياً حتى يهرب منه حين الخطر. كما جاء عن الإمام علي (ع): "نفاق المرء ذل يجده في نفسه".
أما كلمة "جُنة" فبمعنى الدرع الذي يحمي الجسم من سهام العدو، فلذلك يقال للشخص الذي على عقله حجاب (مجنون)، كما (الجن) يقال للمخلوق الذي محجوب عن عيون الناس.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركات أولاً: يستفيد المنافق من كلمة الحق في سبيل تحقيق الباطل.
ثانياً: لا تفرحوا بأي شخص يظهر لكم الطاعة والولاء.
ثالثاً: الإيمان الحقيقي هو الاعتقاد القلبي وليس القرار باللسان.
رابعاً: يتبع المنافقون في نشر ثقافتهم، أسلوب مواجهة الدين بالدين.
وخامساً: يطبع الإنسان بنفاقه على قلبه ويحرمه من إدراك الحقائق.
أما الآن، إخوتنا الأفاضل، نستمع معاً إلى تلاوة الآية الرابعة من سورة المنافقون المباركة..
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ{4}
أيها الكرام، رغم أن المخاطب في هذه الآية هو الرسول الأكرم (ص) ولكن المسلمين هم الذين يمكن أن يقعوا تحت تأثير كلام المنافقين.
ونُقل عن النبي الأعظم (ص) "للمؤمن أربعة أعداء: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وشيطان يضله، وكافر يقاتله".
ومما نستقيه من هذه الآية المباركة أولاً: لا ينبغي أن نثق بالظاهر، فليس كل من ظاهره زاهد يكون كذلك.
ثانياً: لو لا وجود التحذيرات الإلهية وتيقظ الرسول، لاستطاع المنافقون بكلامهم المنمق والمغرر أن يجعلوا حتى النبي يستمع إليهم.
وثالثاً: يجب أن نخاف من العدو الداخلي أكثر من الخارجي.
إخوة الإيمان، في هذه اللحظات، نشنف آذاننا بالاستماع الى تلاوة الآيتين الخامسة والسادسة من سورة المنافقون المباركة..
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ{5} سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{6}
أيها الكرام، كلمة (تعالوا) من (علو) بمعنى الدعوة إلى الرفعة والسمو والرشد. وكلمة (لووا) من (لي) بمعنى لف الحبل، وتستعمل في الابتعاد عن الحق.
ومن تعاليم هاتين الآيتين الكريمتين يمكن الذكر أولاً: يجب أن ندعو الأفراد المنحرفين إلى التوبة ونحثهم على الاستغفار.
ثانياً: إجابة دعوة أولياء الله سبب في العلو والرشد.
ثالثاً: الإعراض عن النصيحة المفيدة، دليل على التكبر.
رابعاً: من لا يستجيب لدعوة الحق؛ حتى دعاء النبي لا ينفعه.
خامساً: يُخرج التكبر والاستكبارُ الإنسانَ من الرحمة الإلية الواسعة.
وسادساً: إن الهداية والضلالة بيد الله تعالى؛ ولكنه سبحانه لا يحرم من الهداية إلا من اتخذ الفسق والذنب سبيلاً.
بهذا، إخوة الإيمان، ننهي هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" آملين أن قد نالت رضاكم؛ فحتى لقاء آخر نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.