وبينما أظهرت بيانات المصارف المركزية الوطنية انخفاضاً في احتياطيات المجمل العالمي، في شهر فبراير/شباط الماضي بمقدار 276.4 مليار دولار لتصل إلى 12.852 تريليون دولار، ارتفع احتياطي السعودية إلى ما قيمته 452.6 مليار دولار.
والسعودية هي الدولة العربية الوحيدة ضمن قائمة المراكز العشرة الأولى للاحتياطيات الدولية، وتحتل المركز السادس، بعد الصين واليابان وسويسرا وروسيا والهند.
وتأتي السعودية على رأس قائمة أكثر الدول العربية امتلاكًا للذهب، باحتياطيات بلغت 323.1 طنًا، تلاها في المركز الثاني لبنان بنحو 286.8 طنًا.
*مخزن آمن للقيمة
ويؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن المركز السادس الذي تحتله السعودية على مستوى احتياطي الذهب عالمياً، يأتي في ظل الدور المتنامي لقطاع التعدين في المملكة، الذي يمثل ركيزة لاقتصادها، وفقاً لرؤية 2030، خاصة أن لديها احتياطيات كبيرة منه.
فالذهب أصبح واحداً من الملاذات المهمة للبنوك المركزية في العالم، وبلغ حجم حيازاته لديها 36 ألف طن، وهو أكبر حجم من الحيازات منذ عام 1974، بحسب عايش. مشيرا إلى أن السعودية، مثل دول كثيرة في العالم، تتعامل مع الذهب باعتباره أحد الثروات التعدينية المهمة التي تملكها، والتي تقدر قيمتها بحوالي 1.3 تريليون دولار.
وعلى هذا الأساس، تمثل حيازة السعودية لسادس احتياطي من الذهب في العالم، بقيمة تقدر بـ 460 مليار دولار، ثروة كبيرة وشكلاً من أشكال الدعم للريال السعودي، ونقلة إضافية تدعم تحوّله إلى عملة عالمية، بحسب عايش.
ويضيف الخبير الاقتصادي أنّ احتياطي الذهب يمثل نوعا من التحوط السعودي للمشكلات المتعلقة بسعر الدولار وأسعار الفائدة وحالة اللايقين التي يمر بها الاقتصاد العالمي.
ويلفت عايش إلى أنّ النفط يسعّر بالدولار، وفق اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية على هذا الأمر، عام 1973، تحت مسمى البترودولار، لكن من الواضح الآن أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، وبالتالي فإن تسعير النفط بالدولار "ربما لم يعد مصلحة سعودية".
ولذا، تحاول السعودية إقامة علاقات مع دول مختلفة، بينها دول مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا)؛ لإجراء تجارة النفط وغيره إما بعملات أخرى غير الدولار، أو بالذهب إذا أمكن ذلك، وبالتالي التأثير على كون الدولار هو العملة العالمية المهيمنة على أسعار النفط وأسعار المواد الأولية المختلفة، أو عملة التعامل الأولى، بحسب عايش.
ومن جهة ثانية، يشير عايش إلى أن البنوك المركزية في العالم تزيد من احتياطيات الذهب، باعتباره حافظا للقيمة، وبالتالي فهو ملاذ آمن من التضخم، وشكل من أشكال تنويع الاحتياطي من العملات الأجنبية، حتى لا يظل الدولار هو المهيمن على الاحتياطيات، إذ تصل نسبته حالياً منها حوالى 60%.
ويرى عايش أن هكذا توجه أدعى إلى الاستقرار الاقتصادي، خاصة أن الذهب هو أحد الملاذات الآمنة، سواء للأفراد أو حتى للشركات وصناديق التحوط الحكومية والبنوك المركزية.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن الدولار كان مرتبطا بسعر صرف ثابت تجاه الذهب، وتم فك هذا الارتباط في عام 1971 من خلال ما عرف تاريخيا بـ "صدمة نيكسون"؛ إذ أعلن الرئيس الأميركي الأسبق، ريتشارد نيكسون، فك ارتباط الدولار بالذهب، لأسباب ومصالح تتعلق بالولايات المتحدة، التي بدأت تطبع دولارات بأكثر من حجم الذهب المتوفر لديها.
وبعد أكثر من 50 عاماً، تحاول دول، بينها السعودية، الانفكاك، ولو جزئيا، عن الدولار، والوسيلة الأهم في هذا الإطار هي احتياطي الذهب كمقدمة لتحولات أخرى نحو عملات رئيسية عالمية، مثل اليوان الصيني وغيره من العملات، حسبما يرى عايش.
فالمصلحة الاقتصادية السعودية، على المدى المتوسط والبعيد، تتمثل في رفع ثروة احتياطي الذهب وبيعها والحصول على إيرادات إضافية في أوقات معينة، وأيضا هو أحد الأشكال المشجعة على المضي قدما في الاستثمار في قطاع التعدين، حسب رؤية 2030.
ومن بين المحددات المهمة في هذا المجال هو الاستثمار في الذهب، وهنا يشير عايش إلى وجود أكثر من 6 مناجم كانت تعمل في السعودية خلال السنوات الماضية، خاصة بين عامي 2021 و2022، وبالتالي فالسعودية على موعد مع الذهب، سواء على مستوى الاستثمار أو على مستوى التحوط، وفي ذلك تحول اقتصادي مهم على قاعدة تنويع مصادر الدخل واكتساب مصدر إيرادات إضافي هائل، حسب مراقبين.
*عملة القياس العالمية
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن التوجه السعودي نحو زيادة احتياطي الذهب يتناسب مع تشكل نظام اقتصادي عالمي جديد بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وإصرار الصين مع روسيا ودول كثيرة على فرض التوازن وعدم السماح بسيطرة الولايات المتحدة منفردة على النظام المالي والاقتصادي العالمي.
وفي هذا الإطار، من المتوقع نشوء "حرب عملات" في المرحلة القادمة، أي عدم اعتراف كثير من الدول بالدولار كـ "عملة قياس عالمية" يقاس عليها الذهب والنفط، وهو ما بدأ بصورة واضحة لدى بعض دول الخليج (الفارسي)، مثل السعودية، بحسب الناير.
ويضيف الخبير الاقتصادي أن حرب العملات تكتسب قوتها من اعتماد صندوق النقد الدولي لليوان الصيني ضمن 5 عملات عالمية، إلى جوار الدولار واليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني.
ويتوقع الناير أن يساهم رفع احتياطي الذهب لدى دول العالم الفاعلة اقتصادياً في تغيير معادلة المرحلة القادمة: "من يمتلك الذهب هو من سيغير المعادلة" حسب قوله.