جواهر عَلَويَّةٌ رُوِيَ عن الإمام علِيَّ عليه السلام أنه قال: "آفَـةُ الْأَعْمالِ عَجْزُ الْعُمّالِ".
ولا يكون عَمَلٌ دون عامِلٍ، ولا يكون عَمَلٌ ناجِحٌ دون عامِلٍ ناجِحٍ، ولا يكون العامل ناجحاً إلا إذا توفرت فيه كل الصفات التي يمكنه بها أن ينجز أعماله بكفاءة وإتقان وصدق وإخلاص وتفانٍ وإيثار.
إِنَّ نجاح المُؤسَّسات والشركات الصغرى والكبرى وكذا الحكومات، بل أي عمل من الأعمال مَشروط بوجود العمال الكفوئين القادرين المُدَرَّبين المُخلصين، فحيث يكن مثل هؤلاء يكون النجاح والازدهار والتطور في المؤسسة والدولة وحيث لا يكونوا لا يكون.
وتلتقي كل المدارس الإدارية على صفات معينة يجب أن يتصف بها العامل في أي مجال من المجالات، وعلى أساسها يتُمُّ اختياره وتوظيفه، ومن أهم تلك الصفات أن يكون صادقاً، لأن الصدق هو الأساس الذي تبتني عليه الثقة بينه وبين المؤسسة التي يعمل فيها، وأن يكون أميناً لا يخون المؤسسة التي ينتمي إليها، يحفظ أسرارها، ويحفظ أموالها، وأن يتمتع بكل القدرات والمهارات التي يستطيع بها أن يؤدي الأعمال المطلوبة منه.
وذكروا أن من بين أهم الصفات أن يعتزَّ بالانتماء إلى دولته أو مؤسسته التي يعمل فيها، فإن ذلك يجعل منه مخلصاً لا يبُاع ولا يُشرى، وأن يكون محباً لعمله راضياً عن وظيفته كي يتفانى فيهم ويؤديهما بشغف، يفهم وظيفته بدقة، ويفهم حدوده والخطوط الحمراء التي لا يمكنه أن يتعدّاها، وأن يكون واثقاً من نفسه، والثقة بالنفس من أهم عوامل نجاح الفرد، وكلّما كان علمه وخبرته وذكاؤه أكثر كانت ثقته بنفسه أعمق، وكلَّما تعمقت ثقته نفسه زادت من نجاحه في وظيفته وذلك هو المطلوب، ويحترم نفسه، ومن احترم نفسه لم يُهِنْها بالتجاوزات والأخطاء والصِّراعات والمُهاترات مع الزملاء.
ويحافظ على هندامه ولباسه وعطره، كما يحافظ على سلوكياته الاجتماعية، فيكون خلوقاً مُهذَّباً لا يتكلم إلا بالكلام الطيب، ويتجنب الكلام القاسي والبذيء الفاحش.
وأن يكون عادلاً لا يتحيَّز لأحد في معاملة، صَلباً لا يُحابي ولا يتنازل عما لا ينبغي التنازل عنه، سموحاً غفوراً يغفر زلّات زملائه أو زلّات من يتعامل معهم، حَسَنُ الاستماع، يُصغي إلى الناس ويحرص على فَهم مشاكلهم وأحوالهم، يراعي الفروق الفردية بينه وبين زملائه والناس، واسع الصدر، يتجنب الصراعات، يتعامل بحكمة وروية، ويعالج الأمور بحكمة وحِنكة.
ويبتعد عن النقاشات العقيمة، ويتجنب الغيبة والنميمة، لا يتزلف إلى مسؤول ولا يتمَلَّق، ولا يحابيه في الحَقِّ ولا يجاريه في الباطل.
وأن يكون مُنَظَّماً، حريصاً على الوقت، يتمتَّع بكفاءة عالية، يداوم على تطوير مهاراته واكتساب مهارات جديدة، ولديه قدرة على الإبداع والابتكار، يسعى إلى إنجاز الأهداف المرسومة له بدِقَّة، ذو هِمَّة عالية، يتطلع إلى الإنجاز تلو الإنجاز، ويراكم التطوير بعد التطوير، مبادر، ذو طاقة روحية عالية، يمكن الاعتماد عليه، لديه روح التَّحَدّي والإصرار، وسوى ذلك من الصفات.
وقد جمعها القرآن جميعاً بصِفَتَي: القُوَّة، والعلمُ أهم مصاديقها. والأمانة، والحِفظُ أهمها.
فقال تعالى حاكياً قول النبي يوسف عليه السلام لحاكم مصر: "قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"﴿55/ يوسف﴾*، وحكى لنا قولَ ابنة الرجل الصالح في مَدَيَن عندما طلبت منه أن يستأجر النبي موسى عليه السلام ليرعى أغنامهم: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"﴿26/ القصص﴾.
وحكى لنا عرضَ العِفريت من الجِن على النبي سليمان عليه السلام أن يأتي له بـ "عرش بلقيس" فقال: "قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ"﴿39/ النمل﴾*. فإذا كان العمَال عاجزين، غير مؤهلين، فالفشل مُحَقَّقٌ لا محالة.
بقلم /الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي