الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. ومن الصادقين قولاً وعملاً هو العالم المجاهد والولي المخلص لأهل البيت المرحوم الشيخ سلمان المحسني الاحسائي تغمده الله بواسع رحمته.
الشيخ سلمان المحسني هو وابوه واعمامه اسرة علمائية اساساً هم من الاحساء وقطنوا في ايران في خوزستان بسبب الملاحقات والمضايقات والقمع الذي مارسه الوهابيون الجهال في بلاد الاحساء وفي البحرين، المرحوم الشيخ سلمان المحسني الاحسائي هو في الواقع من مواليد خوزستان، ولد في مدينة شادغان وهو من مواليد عام 1281 هجرية، لا يخفى بين قوسين يعني ان اوكد على ان خوزستان، شيراز هذه المدن كانت تمثل اوطاناً يوماً ما للعلماء وحاضرة للحوزات العلمية لان كلما كان يشتد الضغط والقمع على الموالين لأهل البيت والمحبين لأهل البيت في المنطقة الشرقية، في الخليج، في البحرين كان ينزح اتباع اهل البيت وخصوصاً المراجع والعلماء والمؤلفين والشعراء يلجئون الى خوزستان الى ايران والى شيراز بحثاً عن الامان، الشيخ سلمان المحسني الاحسائي ولد هناك في خوزستان في شادغان وكبر وترعرع في كنف والده حتى انهى تحصيل المقدمات وبرع في الفقه والادب هاجر الى النجف الاشرف يعني كثيراً من هؤلاء كانوا يكملون المقدمات ثم يهاجرون الى النجف الاشرف من قبيل الحاج هاشم الكعبي والمرحوم محمد طه الحويزي والى اخرهم، هاجر الى النجف الاشرف وهناك تطور في تحصيله نتيجة مواهبه ونتيجة كفاءاته واصبح انذاك من تلاميذ المرحوم محمد طه نجف والشيخ محمد حرز الدين النجفي صاحب كتاب معارف الرجال ثم بعد ان نال الدرجات العالية من العلم عاد الى ايران وتوطن في مدينة شادغان واصبح مرجعاً للناس وكانت له مكتبة كبيرة وليل نهار كان الرجل مكباً كما تكتب عنه الكتب، مكب على تدوين المؤلفات وكان ينظم شعراً وله كان ديوان شعر لكن مكتبته واثاره ضاعت بسبب امواج الفتن والمشاكل، انا احببت ان اركز على هذا الجانب بالذات لهذا العالم الجليل واقعاً هو وتد من اوتاد العبادة، الملفت للنظر هذا العالم في هذا الموقع كانت تجبى له الاموال والذهب والاثلاث فكان يصرفها على المساكين والفقراء وساكن هو في بيت من القصب والحصر هكذا الكتب التي تترجمه، قلت رغم ما كانت تصل اليه تلك الاموال الطائلة حتى اقترحوا عليه ان يبني له غرفة من الطين واللبن فرفض وعاش في ذلك البيت في ذلك كوخ القصب حتى نهاية عمره رحمة الله عليه هذا له موقعه عند الله وعند الوجدان وعند المشاعر، التقوى هنا، الايثار هنا، الخوف من الله هنا، التدين والاقتداء بالائمة هنا، اما ذوقه الادبي رحمة الله عليه فله العديد من القصائد وقد ضاع الكثير منها لكن انا اذكر ابيات له وهذه الابيات الله اكبر، هذا الرجل رحمه الله العالم كان يوصي الخطباء بأن يقرأوها على المنابر يقولون اذا الخطيب قرأها وهو حاضر يبكي يبكي احياناً الى ان يسقط على الارض فالابيات هي طويلة لكن انا اذكر منها للتبرك ولأفادة المستمعين والمستمعات:
الله ما فعلت بني امية
ببني المطهرة الزكية
لم يرحموا يتم اليتيم
ولم يرقوا للصبية
لا تنسى بضعة احمد
واذكر مصائبها الجلية
ثم يقول رحمه الله:
يوم السقيفة ما جلبت
على الورى الا البلية
ما كان ادهى منك يوم
محرم في الغاضرية
الله ما قاسى به كبد
البتول من سمية
وقرأت له قصيدة في مدح احد الائمة وحقيقة ان قافيتها من اصعب القوافي ولكن هذه تدل على خلاقية وشاعرية هذا العالم يقول:
اليك رحلت رحلة مستغيث
كأنه يخاطب الزهراء صلوات الله وسلامه عليها ويخاطب اهل البيت في الاخر، القصيدة طويلة:
اليك رحلت رحلة مستغيث
من الاهوال والخطر الكريث
وحبل الله حبلك وهو حق
وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ، اية، حبل الله من؟ اهل البيت.
وحبل الله حبلك وهو حق
فلا بالمسترك ولا الرفيث
آخر شيء يخاطب اهل البيت يقول:
انكم البقية والمرجى
شفاعتكم من الهول المغيث
رحمة الله عليه وهنيئاً له على هذه العقلية الايمانية وعلى هذه العلاقة والمودة لأهل البيت، اعود واوكد على ان هذا العالم الجليل هو قدوة للآخرين بلباسه بسكنه بطعامه وكان جدياً وحدياً ولايبالي بلومة لائم، ما عنده علاقات واعتبارات تمنع اداء الواجب، فكان لا يبالي بلومة لائم وكان مشهوراً في تشدده بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ابعد عنه العديد من ارحامه، هنا اذكر كلمة امير المؤمنين سلام الله عليه يقول ما ترك لي الحق من صديق فالكثير من اصدقاءه تركوا هذا العالم الجليل الشيخ سلمان المحسني رحمة الله عليه كان يعيش في سكن بسيط واشتهر هذا العالم انه يحب في الله ويبغض في الله وهذه ليست مرحلة سهلة، هذه لا ينالها احد إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ.
هذا العالم الجليل حياته كلها كانت تربية اصلاح وتوعية وتأليف وتدريس ونظم الادب من رثاء ومديح لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وكانت مناسبات اهل البيت في هذا الكوخ البسيط هذا يقيم مناسبات اهل البيت في افراحهم وفي احزانهم عملاً بالقاعدة او بكلمة اهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم يصفون محبيهم يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، هذا العالم الجليل توفي رحمه الله عام 1341 هجرية في خوزستان هناك ونقل جثمانه على الاكتاف في موكب مهيب الى النجف الاشرف ووري الثرى في وادي السلام وقد زرت قبره مراراً لان الناس والطلبة كانوا يتبركون بالوقوف عند قبره والدعاء له والترحم عليه، راح من الدنيا ولن يترك لاملكاً ولامالاً وفلساً حتى بعض الادباء رثاه بقوله:
لهفي على بدر هدى تحت التراب حجبا
فأظلم الافق له والدهر حزناً قطبا
فم الثوى ارخته بدر الكمال غيبا
أسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******