وفي جلسة غير مسبوقة، سببت الانقسام بين الأميركيين، وأثارت هواجس من التظاهر والفوضى، مَثَل دونالد ترامب، اليوم، أمام خوان ميرشان، قاضي محكمة مانهاتن، في ولاية نيويورك، ليصبح أول رئيس أميركي سابق يوجه إليه اتهام جنائي.
واستُدعي الرئيس الجمهوري السابق (76 عاماً)، المرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024 للمثول أمام القاضي، حيث اتهمه بدفع 130 ألف دولار لممثلة أفلام إباحية، قبيل الانتخابات الرئاسية في العام 2016، لشراء صمتها عن علاقة محتملة قد يكون أقامها معها.
ولم يصرّح ترامب عن هذا المبلغ في حسابات حملة المرشح الجمهوري يومها، في انتهاك محتمل لقوانين الولاية الانتخابية، وسجّل المبلغ على أنه «نفقات قانونية» في حسابات شركته، في نيويورك.
كما وجّه القاضي إلى ترامب نحو 30 اتهاماً، منها ما هو مرتبط بتزوير وثائق شركة، وسط غياب الكاميرات داخل قاعة المحكمة، التي أحيطت بانتشار أمني واسع.
ودفع ترامب ببراءته من الاتهامات، وفق محاميه جو تاكوبينا، مؤكداً أنه لا توجد «أي فرصة» لأن يتوصل الرئيس السابق إلى اتفاق تسوية مع الادعاء.
وأردف تاكوبينا بأنّ "الرئيس ترامب لن يقبل بصفقة مع الادعاء في هذه القضية"، مؤكداً: هذا لن يحدث. لا جريمة".
ومن غير الواضح ما إذا كانت الاتهامات الموجهة إلى ترامب من جرائم الجنايات التي تؤدي إلى عقوبة السجن المحتملة، فيما لا يملك ترامب أيّ سجل جنائي، وليس واضحاً بعد إن كان سيتمّ الحكم عليه بالسجن في حال إدانته.
وثمّة شبه إجماع على أن ترامب لن يجري توقيفه بعد توجيه الاتهام، بل سيخرج، بناء على تعهّد خاص، ثم سيذهب إلى المطار، حتى يغادر صوب ولاية فلوريدا.
وكذلك قال محامي الرئيس السابق إنّ "ترامب لن يقر بالذنب في التهم الموجهة له، ونعتقد أن هذه القضية لن تمضي قدماً".
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أنّ "إدانة ترامب أو إدخاله السجن سيكون أمراً مشوباً بالتحديات، لسبب بسيط، هو أن فريق الدفاع عنه سيحرص بلا شك على مهاجمة المحامي السابق مايكل كوهين، الذي كان محامياً لترامب، عندما كشف عن دفع المال للممثلة، وسيشير محامو ترامب إلى السجل الجنائي لكوهين، لأنه اعترف بالكذب، لأجل التشكيك في مصداقيته، واعتبار ما صدر عنه مجرد افتراء".
لكن الادعاء قد يردّ بالقول إنّ كوهين "كان يكذب بإيعاز من موكله ترامب، وبالتالي، فقد أصبح اليوم قادراً على أن يكشف الحقائق، بعد فك الارتباط مع الرئيس السابق".
ويرى خبراء قانونيون أنه "لم يسبق للمدعين في نيويورك أن تعاملوا مع قضية تتعلق بالانتخابات الرئاسية، تجمع بين تزوير سجلات تجارية من جهة، وانتهاك قانون الانتخاب في الولاية من جهة ثانية، وبما أن الأمر يتعلق بقضية جديدة وغير مسبوقة، فإنه من المحتمل أن يتخلى القاضي عما سبق، فيقلص الاتهام إلى جُنحة".
وفي حال تقرّر الإبقاء على الاتهام، فإنه سيتراجع إلى جنحة، ذات تبعات قضائية أقل، وعندئذ، فإنّ ترامب سيواجه أربع سنوات من السجن، كأقصى حدّ من العقوبة. وفي حال الإدانة، لن يكون من الضروري أن يجري الحكم على ترامب بالسجن.
وعند وصول ترامب إلى محكمة مانهاتن، كشف عن اسمه وعمره ومهنته، وتمّ أخذ بصماته، والتقاط صورة جنائية له، معروفة باسم "ماغشوت"، غالباً ما تكون مصدر خزيٍ للنجوم في الولايات المتحدة، عند توقيفهم.
ولم يتمّ تقييد أيدي ترامب، لكنه مرّ في أروقة المحكمة أمام ممثلي وسائل الإعلام، وقرّر القاضي أن يُسمح لخمسة مصورين بالتقاط صور ثابتة لدقائق معدودة قبل بدء المحاكمة رسمياً، وفقاً لشبكة "أيه بي سي نيوز".
وقبل وصوله إلى نيويورك، أظهرت لقطات تلفزيونية موكب ترامب، مغادراً منزله في مارالاغو بفلوريدا، إلى مطار بالم بيتش، حيث حمل العشرات أعلاماً مؤيدة لترامب وأعلاماً أميركية، واصطفوا على طول الطريق.
واستقلّ ترامب طائرته الخاصة، من طراز "بوينغ 757"، ولوّح للصحافيين خلال صعوده إليها، ثم كتب على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشل"، قبل دقائق من إقلاع الطائرة: "متجه إلى نيويورك. فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً.. هذه حملة اضطهاد. دولتنا التي كانت عظيمة في يوم من الأيام تتجه إلى الجحيم".
وبعد رحلة استمرت ساعتين ونصف الساعة، حطّت الطائرة في مطار لاغوارديا بنيويورك، ثمّ استقل ترامب سيارته إلى برجه في الجادة الخامسة، ودخله تحت حراسة أمنية مشددة، وأمضى ليلته فيه.
ووُضعت شرطة نيويورك في "حالة تأهب"، قبل مثول ترامب أمام المحكمة، وحذّر رئيس بلديتها إريك آدمز من أن أيّ شخص في المدينة يستخدم العنف للاحتجاج خلال المحاكمة التاريخية للرئيس السابق "سيتم توقيفه ومحاسبته أياً كان".
وسيواصل ترامب بالتأكيد مسعاه لخوض الانتخابات الرئاسية 2024 حتى في حال مواجهته تهماً جنائية، إذ لا بند في الدستور الأميركي يمنع أحداً من الترشح للرئاسة، حتى في حال مواجهته التهم.
ويمنع التعديل الرابع عشر من الدستور كلّ شخص "انخرط في تمرد أو عصيان"، من تولي منصب منتخب.
وفي أعقاب أحداث السادس من كانون الثاني/يناير 2021، عندما اقتحم حشد من أنصار ترامب مبنى الكابيتول، سعياً لمنع المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة، صوّت مجلس النواب لعزل ترامب بعد الهجوم، لكن مجلس الشيوخ برّأه.
ومن أبرز القضايا التي تلاحق الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتّحدة، الاتّهامات الموجّهة اليه بممارسة ضغوط على مسؤولين عن العملية الانتخابية في ولاية جورجيا في 2020، وتحقيق بشأن طريقة تعامله مع أرشيف البيت الأبيض.