والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. ومن مفاخر الصادقين المخلصين للنبي وآل النبي هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري وهو ممن يفخر بهم تاريخ الاسلام وطبعاً ابوه عبد الله من شهداء احد وجابر شهد مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثمانية عشر غزوة وجابر بن عبد الله الانصاري آخر من توفي بالمدينة ممن حضروا يوم العقبة، هؤلاء نخبة يوم العقبة وحديثهم طويل، جابر بن عبد الله الانصاري هو من المحدثين عن النبي وعن اهل البيت وقد عاصر النبي والامام علي والحسنين والامام زين العابدين والامام الباقر وتوفي في عهد الامام الباقر (سلام الله عليه) لذلك هذا عمر يعج بالبركات ويفوح بالخيرات، واحد يعاصر هذه الوجوه الطاهرة المباركة التي هي سبب نجاة الوجود، وسبب نعم رحمة الله على هذا الوجود، جابر الانصاري من السابقين للاسلام ومن الذين ناصروا الامام علي بعد وفاة الرسول وطبعاً له مع النبي وعلي والزهراء قصص جميلة لا يسع وقت البرنامج لذكرها، هو اول زائر للحسين (عليه السلام) بعد استشهاد ابي عبد الله الحسين كما يقول الاديب:
واول الناس من الزوار
قبر الحسين جابر الانصاري
الاخبار تقول ان جابر كان يدخله من بستانه تمراً فيقضي من ثمنه ديونه لكنه في سنة من السنين لم يف ثمر بستانه ديونه ومر عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرآه مغموماً ولما علم بما في نفسه دعا له فأنتشرت البركة في تمره ووفى ديونه ولم ينقص من التمر شيئاً وهذا ليس بغريب من النبي، وفي حديث آخر ان جابر بن عبد الله الانصاري سأل النبي: كم يعيش في هذه الدنيا لان ابوه عبد الله استشهد وعمره مئتي سنة؟
فقال له النبي: وطبعاً الاعمار بيد الله والعمل يقرب والعمل يبعد والعمل يطيل العمر والعمل يقصر العمر لكن النبي (صلى الله عليه وآله) عرفه بالكناية يعني اجابه بعلامة.
قال له النبي: يا جابر ستبقى حتى تلقى لي ولداً من الحسين اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرأ فإذا لقيته فأقرأه عني السلام.
بعد هذه الروايات نقول ان جابر فقد بصره اواخر ايام حياته وفي الواقع فقد البصر يصبح الانسان ميت لكن يتحرك، الله يحفظ ابصار المؤمنين، فكان يجلس في مسجد النبي ويصيح وينادي: يا باقر العلم يا باقر العلم. فلم يفهم الناس ما يعنيه وما في نفسه وراحوا يتهموه بالخرف والجنون لأن المشكلة حينما لا يفهمك الطرف لا يقيمك، فهو لما اتهموه بالخرف والجنون كان يرد ويقول: ما انا بمجنون لكن سمعت رسول الله وقال لي: رسول الله ستلقى لي ولداً من الحسين اسمه اسمي شمائله شمائلي يبقر العلم بقراً فأنا اصبح لا راه حتى اعرف انه امري قرب واجلي قرب، واذا يوم من الايام وبشكل عفوي، يمر ذات يوم بقربه الباقر (عليه السلام) وهو صبي في بدايات عمره ومعه اقرانه فسمع جابر صوته، صاح من هذا الغلام، اقترب منه الباقر (عليه السلام)، قال: ما اسمك بني؟
قال: انا محمد الباقر بن الامام علي بن الحسين، شب جابر بوجه الغلام فرحاً.
ثم قال: يا بني جدك رسول الله يقرأك السلام، كيف التوفيق بين هذا وذاك، النبي أين والامام الباقر أين؟ استغرب الباقر (عليه السلام) وذهب واخبر بذلك الامام زين العابدين اباه.
ثم جابر شرح هذا للامام زين العابيدن وقال كلامي ليس من فراغ، انا سألت النبي والنبي اجابني هكذا والآن تطبق ما وعدني به رسول الله، الامام السجاد طلب منه ان لا ينشر هذا المعنى لسبب الحفاظ على حياة الباقر (عليه السلام) لان السلطة كانت تستهدف الاطاحة بكل ما يرتبط بالإمامة والأئمة، هذه الحادثة التي اذكرها اكثر من مصدر يرويها بما فيها ابن حجر في كنايه الصواعق المحرقة، وجابر الانصاري هو ممن عرف قدر اهل البيت وكان محباً لهم شديداً في ذلك، ويروي الامام الصادق عن ابيه الباقر (عليهما الصلاة والسلام) ان ابي يعني الامام الباقر قال لجابر: يا جابر متى خلوت فأخبرني لاني أريد ان أسألك سؤالاً خاصاً، يقول فأختلى الامام الباقر بجابر بن عبد الله الانصاري ثم سأله قال له: ما هو اللوح؟ الامام الباقر يسأل جابر: ما هو اللوح؟ ما هو مضمونه؟ كيف رأيته؟ وما دار بينك وبين جدتي فاطمة حوله؟
فقال جابر: نعم يا مولاي اشهد الله اني دخلت على امك فاطمة (سلام الله عليها) في حياة ابيها رسول الله ولأهنئها بمولودها الحسين فرأيت في يدها لوحاً اخضر ظننت انه زمرد.
فقلت لها: بأبي انت وامي يا بنت رسول الله ما هذا اللوح؟
فقالت: «ان هذا لوح اهداه الله الى ابي النبي وفيه اسم ابي واسم بعلي واسم ولدي الحسن والحسين واسماء الاوصياء من ولدي وقد اسرني به ابي النبي» هذا ما دار في تلك الخلوة بين الامام الباقر وبين جابر الانصاري. هناك خبر آخر في فضل جابر الانصاري وهو انه كان مع النبي في غزوة وجلسوا في الطريق مع النبي واخذ يسأله عن بعض اصحابه كعمار كأبي ذر كمقداد وسلمان وخزيمة، النبي يقول له: من اهل الجنة من اهل الجنة فأحجم جابر.
الا ان النبي قال له: يا جابر لماذا لم تسألني عن نفسك فأستحى جابر؟
فقال له: النبي وانت يا جابر معنا في الجنة وانك اول زائر يزور ولدي الحسين.
ملاحظة اخرى اذكرها وهي جداً مهمة، جابر الانصاري بعدما فقد بصره ما منع هذا من اداء رسالته فكان يقف في الطرقات وينادي "ايها الناس علموا اولادكم حب علي فقد كنا نختبر الولد الحلال بحب علي".
فكان جابر يردد قول النبي لعلي: يا علي لا يحبك الا ابن حلال ولا يبغضك الا على كل حال عكس ذلك، هذه طبعاً من النبي ومذكورة في معظم الكتب والمصادر حتى مصاد الجمهور. فهو كان يؤكد على خط الامامة والولاية لأهل البيت، مثلاً يوم شاع نبأ مصرع الحسين، تحرك جابر متجهاً الى العراق وفي الكوفة اصطحب عطية العوفي ووصلوا كربلاء، زار الحسين بعبارات تهز القلوب والمشاعر وعند وقوفه على مقبرة الانصار صاح لقد شاركناكم ثم التفت الى عطية وقال له: يا عطية احبُ محبّ آل رسول الله فأن زلت له قدم ثبتت الاخرى وابغض مبغض آل النبي فلا ينفع ايمان مع بغض علي وآل علي.
بطبيعة الحال لان وجود الصلة مع اهل البيت بالتالي تنقذ الطرف، بالتالي تشده الى الله. آخر المطاف توفي جابر الانصاري عام 78 هجرية في منطقة المدائن في العراق ودفن بجوار سلمان الفارسي رضوان الله عليه واضيف اليهما جثمان حذيفة بن اليمان ونعرف مقبرة الثلاثة بمقبرة سلمان باك ببغداد تغمدهم الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******