الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن منائر الصادقين الشجعان هو العالم والمرجع والزعيم والمناضل السيد محسن الطباطبائي الحكيم تغمده الله برحمته، السيد الحكيم من مواليد العراق من النجف الاشرف عام 1306 هجرية من اسرة علمية عريقة تعرف بالعلم والعلماء منذ مئات السنين شب السيد محسن الحكيم على التعلق بالمعرفة وحب الجهاد، من صغر سنه رحمه الله كان حاملاً للسلاح مجنداً للدفاع عن الوطن ومقاومة المحتلين الانكليز في الشعيبة بقيادة العالم انذاك السيد محمد سعيد الحبوبي رضوان الله عليه، كان السيد الحكيم ومعه اخوه الاكبر وهو عالم مجاهد ايضاً السيد محمود الحكيم رحمه الله. رغم ان السيد محسن الحكيم كان شاب لكن كان موضع اعتماد السيد محمد سعيد الحبوبي وكان موضع ثقته الخاصة ومودع اسراره السيد، عن السيد الحكيم طويل لكن اختصره فهو ترعرع ينتهل العلم في النجف الاشرف الى ان تفوق وصار من طلائع تلاميذ الاغا ضياء الدين العراقي، كان هو من بين مجموعه تقدموا ما يقارب الخمسمئة تلميذ للاستاذ المذكور وهذه المجموعة هم السيد الشاهرودي، السيد المرعشي، السيد البغدادي الخ لكن هو بدا نجم العلم وموقعه الاجتهادي والاجتماعي يتألق في بداية الاربعينيات الميلادية لكن بعد وفاة المرحوم السيد ابو الحسن الاصفهاني ورغم مرجعية المرحوم كاشف الغطاء اخذ يتسلط عليه الضوء وساهم اكثر في اعطاءه سمعة عالمية عالية كتابه مستمسك العروة الوثقى، موسوعة ضخمة.
بعد وفاة المرحوم كاشف الغطاء صارت الانظار متجهة الى السيد محسن الحكيم وفي بداية الستينيات توفي السيد المرحوم البروجردي اعلى الله مقامه في ايران فأصبح هو المرجع العام للطائفة الشيعية، كان مرجعاً مسموع الكلمة واتخطر ان زاره الزعيم قاسم في المستشفى وجلس عند رجليه وقبل يديه وهو يطلب منه الدعم في ادارة حكم العراق.
زاملت في النجف الاشرف اكثر من عشرين مرجعاً ومئات المجتهدين لكن لاحظت عند السيد الحكيم وعند الامام الخميني اكثر لاحظت خصوصيات وانا الان وقت البرنامج يضايقني لكن انظر مثلاً السيد الحكيم حباه الله بخصوصيات واحدة من هذه الخصوصيات كثرة اولاده، غيره من المراجع لم يكن لديه هذا العدد من الاولاد ونوعيتهم، علماء، كتاب، مجاهدين، عشرة من الاولاد كل واحد منهم مفخرة للطائفة وللحوزة بالخصوص ولده الاكبر كما وصفه الامام الراحل قال حينما يراه الرائي يذكره بالاخرة وبالمحشر.
من الخصوصيات هو ان يعرف السيد الحكيم بأبي الشهداء في زماننا المعاصر، ثمانية من اولاده فقط بالاضافة الى عشرين من احفاده واسباطه قتلهم واعدمهم الطاغية صدام ضمن حقده على السيد الحكيم وعلى اسرته بالذات وعلى الوجود العلمي للنجف الاشرف، تميز السيد الحكيم بوعي خاص في تثقيف الامة، نحن بدأنا نعرف الحياة، لاحظنا كيف كان السيد الحكيم يرسل الخطباء والمبلغين الى كل مدن العراق بالخصوص اثنين من اولاده السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر كانوا يلقون الخطب والمحاضرات في المساجد والحسينيات الضخمة، تأسيس المكتبات في كل زوايا العراق، نشر المعرفة الى ان جاء العفالقة الكفرة صادروا المكتبات، احرقوا الكتب، سجنوا واعدموا كل الشباب الذين كانوا يترددون على هذه المكتبات، الجامعات امتلأت بالوعي الاسلامي لكن بطش البعثين الكفرة قوض ذلك كله.
من خصوصياته فتواه التاريخية هذه الفتوى التي حطم بها الحزب الشيوعي وقمعه لافي العراق فحسب وانما في الشرق الاوسط وهي الشيوعية كفر والحاد، كانت من الضربات القوية التي مني بها الالحاد العالمي، من خصوصياته طريقته في التعامل بالذكاء مع السياسيين، اتخطر كنا نتردد على بيته وكنا زملاء دراسة وصداقة مع بعض ابناءه ما كان لما يستقبل زعيم سياسي يجلس في الغرفة ينتظره وانما يأتي ذلك الزعيم او الرئيس يجلس ثم يدخل السيد الحكيم فيضطر هذا ان هو يقوم اجلالاً للسيد الحكيم هذا فن وذكاء خارق، من خصوصياته قوة شخصيتة في اتخاذ القرار مثلاً لما استقبل بعض الزعماء، كان يملي عليهم شروطه بصرامة ورفض استقبال عبد السلام عارف في منزله.
ذلك اليوم كان جابر حسن حداد محافظ كربلاء يروح ويأتي ويتوسل. لكن استقبل مثلاً عبد الله السالم الصباح امير الكويت، عبد الله سلال ذلك اليوم رئيس اليمن وكان يملي عليهم الكثير من اراءه، اتخطر مثلاً من شجاعته ايام مرضه واواخر عمره كنت انا وبعض زملائي في مستشفى ابن سيناء عنده وجاء ابن خالة احمد حسن البكر جاء موفداً من الرئيس واسمه اللواء عمر الهزاع رفض السيد الحكيم استقباله في الوقت الذي كان شخصية اخرى وهو السيد عبد المهدي المنتفجي جاء لمقابلته فرحب به خير ترحيب وشكره. لا امتلك من الوقت واذكر هذه، في هذا الاطار تميز بذكاء مفرط وفطنة عالية، احد التجار زار النجف ايام مرضه الاخيرة وكانت معه مبالغ من الاخماس، واحد في الحرم همس بأذنه وقال السيد الحكيم فاقد وعيه وشوش عليه فهذا الرجل التاجر جاء لزيارة السيد الحكيم يقول الرجل تأثرت بالكلام وتحركت صوب بغداد وجئت الى السيد الحكيم واضمرت في نفسي ان اسأله سؤال فقهي معقد سألناه اياه قبل خمسة وعشرين سنة، ما ان دخلت على السيد الحكيم واذا يرحب بي ثم سألني عن فلان وفلان وفلان ثم يقول سألته السؤال الفقهي فلما سألته ابتسم وقال لي هذا السؤال سألتني به قبل خمسة وعشرين سنة وكان معك فلان وفلان وزرتموني في المكان الفلاني واجبتك بهذا الجواب ولم يزل رأيي هذا ولم يتغير في الواقع هذا الرجل انبهر ولم يكن يتصور، خصوصيات امتاز بها السيد الحكيم رضوان الله عليه وترك ثروة كبيرة وطائلة من انتاجه على صعيد القلم كذلك اولاده وكذلك تلاميذه وشاء الله لهذا الراحل ان يلقى الله بمتاع كبير، هذه الهجمة الحاقدة من طاغية العراق على عائلته واولاده حتى النساء والاطفال اودعوا السجون وهذا كله، عاش السنين الاخيرة صابراً على تجرأ البعثيين الكفرة على الدين والعلماء وحملات الابادة والاعدام والتسفير والتهجير للعلماء وللحوزات العلمية، الح عليه المرض بالرحيل الى ان انتقل الى بارئه الى جوار ربه في 27 ربيع الاول 1390 هجرية، شيع تشييعاً منقطع النظير، يعني لم يمر في العراق تشييع مثل تشييع السيد ابو الحسن اولاً وثانياً السيد محسن الحكيم وثالثاً الخطيب الشيخ احمد الوائلي وكنت انا ضمن من شيع السيد الحكيم من الكاظمية مروراً بشارع الرشيد وانتهاءاً الى ساحة التحرير الى جسر الشهداء والى البياع والى منطقة البياع، اكثر من عشرين كيلومتراً مشت الجموع مشياً على الاقدام وجاء احمد البكر وشارك واخذت بعض الهتافات تتعالى ضده فركب سيارته وهرب، لدي الكثير من الخواطر عن السيد الحكيم. أسأل الله سبحانه وتعالى ان يزيد من علو درجاته وان ينور ضريحه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******