وقد أظهرت دراسة جديدة كيف تؤدي التغييرات التي تطرأ على البيئة إلى ظهور الأمراض التي تنقلها الحيوانات، ما يسمح بفهم أفضل لآلية انتقالها وبزيادة القدرة على التنبؤ بمخاطر الانتقال.
ولأول مرة، استخدم باحثون من جامعة غريفيث وجامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا رسم خرائط الضغط التراكمي والتعلم الآلي لفهم أفضل لكيفية استجابة ستة أمراض محمولة بالنواقل (تلك التي تنتقل عن طريق الحشرات اللادغة) في بيئات مختلفة لتأثيرات الضغوط البشرية.
ونشرت الدراسة في مجلة Nature Sustainability، ووجدت النتائج أن الأمراض المرتبطة بانخفاض الضغط البشري، بما في ذلك الملاريا وداء الليشمانيات الجلدي وداء الليشمانيات الحشوي (المعروف باسم الحمى السوداء أيضا)، أفسحت المجال للأمراض المرتبطة بارتفاع الضغط البشري، مثل حمى الضنك والشيكونغونيا وزيكا.
تأثير الإنسان على الأرض
قالت الدكتورة إلويز سكينر، الباحثة الرئيسية في الدراسة من مركز غريفيث لصحة الكواكب والأمن الغذائي: "البشر بارعون حقا في تعديل الأرض. تم تعديل ما يصل إلى 95% من سطح الأرض بطريقة ما من قبل البشر. نحن نعلم أنه عندما نقوم بتعديل سطح الأرض، فإننا نغير أيضا مجتمع الأنواع، والذي يشمل النباتات والحيوانات والحشرات. وما لم نعرفه حتى وقت قريب، هو كيف تغير هذه التغييرات في الأنواع خطر الإصابة بالأمراض على البشر".
وأوضحت الدكتورة سكينر أن نتائج الدراسة تعزز القدرة على توقع هذه التحولات، وستدعم بنية تحتية ديناميكية للرعاية الصحية العامة يمكن أن تتكيف مع التغيرات في حدوث المرض عبر المكان والزمان.
الأمراض المنقولة بالنواقل تمثل تحديا عالميا
تستجيب الأمراض المنقولة بالنواقل (VBD) بشكل كبير للتغيرات البيئية، ولكن من المعروف أن مثل هذه الاستجابات يصعب عزلها لأن انتقال العوامل الممرضة يعتمد على مجموعة من الاستجابات البيئية والاجتماعية في النواقل والمضيفات التي قد تختلف باختلاف الأنواع.
ومع وجود أكثر من نصف سكان العالم معرضين لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالنواقل، أقرت الدكتورة سكينر والفريق المشارك في الدراسة كيف أن التغيرات في البيئات التي تؤثر على دورة الانتقال الفريدة لكل مرض تمثل تعقيدات مختلفة.
وقالت: "غالبا ما تحتل النواقل ومسببات الأمراض مكانتها الفريدة الخاصة بها، بحيث تستجيب كل دورة انتقال بشكل واضح للتغير البيئي. ومع زيادة الضغط البشري، يتوقع المرء تحولات في حدوث أمراض مختلفة. على سبيل المثال، تعد حمى الضنك من مسببات الأمراض الحضرية بدرجة كبيرة بينما تحدث الملاريا عند حدود إزالة الغابات. ولكن إلى أي مدى يجب أن تكون المنطقة حضرية حتى تصبح حمى الضنك خطرا؟ وما مقدار الغابات التي يجب تحويلها قبل أن نبدأ في رؤية الزيادات في الملاريا؟".
هذه بعض الأسئلة البحثية التي سعى الفريق إلى الحصول على إجابات لها، لتسليط الضوء على عتبات التحولات في استخدام الأراضي التي قد تؤدي إلى تحولات مفاجئة في أعباء الأمراض المعدية واحتياجات الصحة العامة.
ولأول مرة، تمكن الفريق من تحديد عتبات مميزة للتأثيرات البشرية التي تشغلها أمراض معينة.
وبالمقارنة بين ستة أمراض منقولة بالنواقل في البرازيل، وجد الفريق أنه في نافذة حرجة تغيرت فيها البصمة البشرية من معتدلة (4-7) إلى عالية (7-12) إلى شديدة (> 12)، تحول حدوث المرض فجأة من الملاريا وداء الليشمانيات الجلدي وداء الليشمانيات الحشوي إلى حمى الضنك والشيكونغونيا وزيكا (الفيروسات المنقولة بالمفصليات المنقولة بوسطة بعوض الزاعجة المصرية في المناطق الحضرية).
وقالت الدكتورة سكينر: "هذه أمراض تتطلب استجابات متميزة في مكافحة ناقلات الأمراض والتشخيص والإدارة البيئية. ونظرا لأن المناهج الطبية والكيميائية وحدها فشلت في القضاء على هذه الأمراض بشكل مستدام، فإن إدارة الأوضاع الاجتماعية والبيئية التي تعزز انتقال العوامل الممرضة هي جبهة حاسمة للصحة الكوكبية. وبالاقتران مع الضغوط المناخية، يمثل الضغط البشري خطرا كبيرا لظهور الأمراض وانتقالها، وبالتالي يمثل تهديدا كبيرا لرفاهية الإنسان والبيئة".
وأضافت: "كانت البرازيل موقع دراسة حالة مثالية لتقييم الضغط البشري على انتقال الأمراض لأنها بلد كبير ومتنوع بيئيا واجتماعيا واقتصاديا، ويضم العديد من المناطق الجغرافية الحيوية، وضغوط استخدام الأراضي المكثفة والمتغيرة، وارتفاع معدل الإصابة بأمراض متعددة مع بيئات متناقضة، ونظام طويل الأمد لمراقبة الأمراض على الصعيد الوطني".