وقد كانت هذه المحطة بمثابة انطلاق مرحلة جديدة تتعلق بتقرير مصير شعب قدم تضحيات جسام من أجل فرض إرادته في استرجاع سيادته أمام محتل لطالما اقتنع بقوته الخارقة، حيث تم إقرار وقف إطلاق النار في هذا التاريخ في أعقاب التوقيع على اتفاقيات ايفيان من طرف ممثلي الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وممثلي الحكومة الفرنسية يوم 18 مارس 1962.
ويؤكد المؤرخون بأن اندلاع الكفاح المسلح يوم الفاتح نوفمبر 1954 لم يغلق أبدا الباب أمام المفاوضات من أجل استقلال الجزائر، بما أن الاتصالات الأولى بين جبهة التحرير الوطني الممثل الوحيد للثورة والحكومة الفرنسية قد انطلقت سريا سنة 1956، لاسيما في إطار المحادثات غير الرسمية بين الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني ووزير الخارجية الفرنسي كريستيان بينو.
وبعد أول اتصال جرى بالقاهرة، التقى الطرفان في يوغسلافيا يوم 26 يوليو 1956 حيث ترأس الوفد الجزائري محمد يزيد وأحمد فرانسيس، فيما مثل الطرف الفرنسي بيار كومين.
ومنيت أولى المفاوضات بين الوفدين الفرنسي والجزائري بالفشل في يونيو 1960 عندما طلبت الحكومة الفرنسية استسلام جيش التحرير الوطني، وهو ما رفضته الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
وفي يوم 11 ديسمبر 1960، دفعت المظاهرات الشعبية التي شهدتها الجزائر الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدراج القضية الجزائرية ضمن جدول أعمالها، وفي هذا الظرف وجد الطرف الفرنسي نفسه مضطرا تحت الضغط الدولي للجلوس مجددا إلى الطاولة للتفاوض حول إنهاء الاستعمار.
وفي سنة 1961، استمرت المحادثات الرسمية سنة كاملة إلى غاية الإعلان عن وقف إطلاق النار.
وقاد الوفد الجزائري في مفاوضات ايفيان وزير الشؤون الخارجية في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، كريم بلقاسم، فيما قاد الوفد الفرنسي، لويس جوكس, علما أن هذه المفاوضات جرت في جولتين بإيفيان.
وبعد مفاوضات عسيرة قادها وفد جزائري مقتنع بعدالة القضية الجزائرية، تم الاعتراف بالاستقلال التام للجزائر بكامل وحدة ترابها.
وفي يوم 19 مارس 1962، شرع في تطبيق وقف إطلاق النار ليتم بعدها تنظيم استفتاء حول تقرير المصير يوم الفاتح يوليو بالجزائر, مما سمح بإعلان استقلال الجزائر يوم 5 يوليو 1962.
ولم يكن هذا الاستقلال الغالي الثمن غاية في حد ذاته، مثلما أشار إليه رئيس الحكومة المؤقتة، بن يوسف بن خدة، في خطابه الشهير يوم 18 مارس 1962 عبر الإذاعة، وأعلن فيه عن قرار وقف العمليات العسكرية، حيث قال أن "الاستقلال ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة فقط تمكننا من تغيير وضعية شعبنا".
وقال أن "مهمتنا أن نبني مجتمعا جديدا يكون صورة لوجه الجزائر الفتية والحرة، الجزائر التي يجب أن يساهم في تشييدها كل مواطن"، معتبرا أن "كل هذه المهمات تتطلب منا جهودا أكثر من ذي قبل وتتطلب اليقظة والامتثال لإحباط مناورات الاستفزازيين والمفرقين".