الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين
ومن نوادر الصادقين ومشاهيرهم العالم والشاعر المشهور صفي الدين الحلي، صفي الدين هو اسمه عبد العزيز بن نجم الدين سرايا، نجم الدين سرايا يعني والد صفي الدين هو تلميذ المحقق الحلي وهو ايضاً شاعر وله ديوان كبير، هذا الرقم المتألق وهو صفي الدين الحلي هو متألق في عالم الادب والشعر وهو من مواليد الحلة الفيحاء في العراق عام 677 هجرية وهو ممن شب من صغره على حب العلم والادب ويقول عنه السيد الامين رحمه الله في كتابه الاعيان «وكان صفي الدين الحلي شيعياً عارفاً بحق علي واهل بيته معرفة مرتكزة الى الايمان الصادق المخلص» ويقول السيد الامين «مدينة الحلة هي عراقة التشيع والعلم والفكر الناضج وكانت يوماً ما داراً للعلم واليها تشد الرحال وفيها حلقات الدرس ونوادي الفكر والقلم» وفي امل الامل جاء «صفي الدين الحلي كان عالماً فاضلاً منشأً اديباً وهو من تلامذة نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي» وكان من الشعراء المجيدين المطبوعين وكان المرحوم استاذ الشعراء السيد محمد سعيد الحبوبي (رحمه الله) معجباً بشعره ويفضله على كثير من الشعراء، قلت ايها الاخوة في البداية ان صفي الدين الحلي نشأ محباً للعلم وحفظ القران من طفولته ودرس العلوم الاسلامية، اللغة والتفسير والفلسفة والحديث والفقه، كان يسكن الحلة ولكن بعد ان صارت هناك الفتن والاضطرابات سافر الى ماردين في الاستانة، ذلك اليوم كان يحكمها الارتقيون، اكرموه واحسنوا حفاوته وكان هناك ينظم شعره وقصائده وكان يخاطب الارتقيين يقول لهم:
وكم قصدت بلاداً كي امر بكم
وانتم القصد لا مصر ولا حلب
لكن كان هو يشتاق الى العراق ويحن الى العراق وكان يردد:
فارقت زوراء العراق وان لي
قلباً اقام بربعه المألوف
ومرة يخاطب جماعته واترابه ويقول لهم:
احبائي في الفيحاء ان طال بعدكم
فأنتم الى قلبي كسحري من نحري
انتقل الى محطة اخرى في حياة هذا العالم الكبير وهي ارتباطه بأهل البيت ودفاعه عنهم، البرنامج هذا هو جزء من خدمة اهل البيت وترجمة اهل البيت ومن يحبهم ويخدمهم، جنودهم، اصدقاءهم انصارهم، المرحوم صفي الدين الحلي عنده من المقاطع الشعرية الاحتجاجية في امير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يفخر بها تاريخ الجهاد العلمي والادبي مثلاً نقرأ له هذه المقطوعة والتي يكشف فيها عن مكنون حبه لآل الرسول فيقول:
يا عترة المختار يا من بهم
ارجو نجاتي من عذاب اليم
حديث حبي لكم سائر
وسرّ ودي في هواكم مقيم
قد فزت كل الفوز اذ لم يزل
صراط ودي بكم مستقيم
ومن اتى الله بعرفانكم
فقد اتى الله بقلب سليم
يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون
الا من اتى الله بقلب سليم
القلب السليم هو الذي ينعم بمحبة آل الرسول محبة علي وفاطمة والقلب المريض هو الذي لا تجد فيه رائحة لمحبة علي وآل علي وفاطمة، اللهم اجعلنا ممن يلقاك يوم القيامة بقلب سليم، بقلب مفعم بحب علي وآل علي، بحب فاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم)، ومن شعره الدال على علمه وفضله وتشدده في ولاء اهل البيت وهو ما نظمه رداً على تخرصات عبد الله بن المعتز، أيام حكم العباسيين الامويين، خصوصاً العباسيين صاروا يسخرون بعض الشعراء على انه نحن افضل من اهل البيت، في هذا المسار عبد الله بن المعتز كان يردد هذه الاراجيف السخيفة ويتفاخر على اهل البيت بزعمه يقول:
ونحن ورثنا ثياب النبي
فكم تجذبون بأهدابها
لكم رحم يا بني بنته ولكن
بنو العم اولى بها
رد عليه صفي الدين الحلي (رحمة الله عليه) بأنتفاضة يقول:
ألا قل لشر عبيد الاله
وطاغي قريش وكذابها
انت تفاخر ال النبي
وتجحدها فضل احسابها
بكم باهل المصطفي ام بهم
فرد العداة بأوصابها
أذلة والسكر من دأبكم
وفرط العبادة من دأبها
مثل ما يقول ابو فراس الحمداني
تتلى التلاوة في ابياتهم سحراً
وفي بيوتكم الاوتار والنغم
اين انتم من آل البيت
أذلة والسكر من دأبكم
وفرط العبادة من دأبها
وقلت ورثنا ثياب النبي
فكم تجذبون بأهدابها
وعندك لا تورث الانبياء
فكيف حضيتم بأثوابها
بنو البنت ايضاً بنو عمه
وذلك ادنى لأنسابها
ومن اشهر شعر صفي الدين الحلي قصيدته الشافية في الامام امير المؤمنين، طبعاً هذه القصيدة غالباً ما تسمع الخطباء المتحدثين يستشهدون بها على المنابر يخاطب امير المؤمنين ويقول له:
جمعت في صفاتك الاضداد
فلهذا عزّت لك الانداد
زاهد حاكم حليم شجاع ناسك
فاتك فقير جواد
حتى الجوانب الايجابية لم تجتمع مثلاً الشجاع يكون قوي القلب، بينما الانسان الرقيق القلب لا يستطيع ان يكون قاضياً لا يستطيع ان يكون حاكماً لان القاضي يتطلب ان يكون حازماً فيقول صفي الدين:
جمعت في صفاتك الاضداد
فلهذا عزّت لك الانداد
زاهد حاكم حليم شجاع
ناسك فاتك فقير جواد
شيم ما جمعن في بشر قط
ولا حاز مثلهن العباد
خلق يخجل النسيم من اللطف
وبأس يذوب منه الجماد
انت ند النبي والصهر وابن العم
والصنو والاخ المستجاد
لو رأى مثلك النبي لاخاه
والا فأخطأ الانتقاد
لم يبق لي من الوقت الا اليسير هذا العالم صفي الدين الحلي لم ينجو من الطعن والتعريض شأنه شأن غيره من رجال الادب، هذا كله بسبب فعل الخصوم مع محبي أهل البيت. بلغ سنة الخمسين من عمره سافر الى حج بيت الله وزار مشهد الرسول ونظم هناك قصائد في الرسول (صلى الله عليه وآله) طالباً من النبي الشفاعة قصيدته فيها هذه الابيات:
محمد خير المرسلين بأسرها
واولها في الفضل وهو اخيرها
عليك سلام الله يا خير شافع
اذا النار ضم الكافرين حصيرها
تشرفت الاقدام لما تتابعت
اليك خطاها واستمر مريرها
توفي المرحوم صفي الدين الحلي عام 750 هجرية ودفن ببغداد تغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******