البث المباشر

تفسير موجز للآيات 1 الى 6 من سورة الممتحنة

السبت 24 أغسطس 2024 - 11:51 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 1010

 

بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين إذ هدانا للإيمان، ثم الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. إخوتنا المستمعين في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم وأنتم تستمعون من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى حلقة جديدة ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنبتدئ فيها بإذن الله تفسير سورة الممتحنة المباركة نشرعها بالإستماع الى تلاوة الآيتين الأولى والثانية منها فكونوا معنا..

بسم الله الرحمن الرحيم.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{1} إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ{2}

تطلق كلمة العدو، أيها الكرام، على الفرد والجماعة، والمراد منها هنا الجماعة، وذلك بقرينة المقابلة بينها وبين كلمة "أولياء".

والمقصود من "إخراج" النبي والمسلمين هو إيذاؤهم وإزعاجهم، كي يطلبوا الخلاص بالخروج من مكة والهجرة إلى غيرها من البلاد.

وأما "الثقف" هو الحدق في إدراك الشيء وفعله، ويقال ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم يتجوز فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة.

ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: على المرشد والموجّه أن لا يكتفي بتوجيه الأوامر والنواهي، بل عليه أن يبين الأسباب التي دعته إلى توجيه هذا الأمر أو ذلك النهي.

ثانياً: العلاقة مع الكفار تجوز في حالة واحدة، وهي حالة احترامهم لمقدسات المسلمين، وعندما يكفون عن التآمر على الإسلام والمسلمين.

ثالثاً: لا يضمن كثير من المؤمنين حسن العاقبة، فربما ينقلب بعضهم على عقبيه.

رابعاً: سكوت العدو وسكونه لا يدل على صداقته، بل هو يتحين الفرصة المناسبة للإنقضاض والوثبة.

وخامساً: لن يرضى العدو، ولن يرفع يده عن العداء إلا إذا تخلى المسلمون عن دينهم.

أما الآن، إخوتنا الأفاضل، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين الثالثة والرابعة من سورة الممتحنة المباركة..

لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{3} قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{4}

تشير الآية الثالثة، عزيزي المستمع، إلى أن علاقة النسب هي من الأسباب التي تدعو بعض المسلمين إلى إقامة العلاقة مع العدو، ولذلك يلفت الله تعالى نظر المؤمنين إلى أن القرابة والعلاقات النسبية لا قيمة لها يوم القيامة.

و"الأسوة" في الآية الرابعة هي من التأسي والإتباع. وكما أن الآيات السابقة نزلت في أحد الصحابة الذي تواصل مع العدو بهدف حماية أقاربه؛ ولذلك تدعو هذه الآية إلى تعلم كيفية التعامل مع الأقارب من النبي إبراهيم (ع).

فعندما يئس النبي إبراهيم (ع) من هداية أبيه، قطع صلته به، وأما استغفاره له فقد كان لوعد قطعه له على نفسه، كما ورد في الآية الرابعة عشرة بعد المئة من سورة التوبة المباركة.

ومما يمكن إستنتاجه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: على الإنسان أن يتذكر أن العدو الكافر لن يجدي يوم القيامة نفعاً، ليقطع الأمل منه، ويزهد في العلاقة به، حتى لو كان قريباً ومن الأرحام.

ثانياً: الإيمان بعلم الله ورقابته الشاملة، من الأمور التي تحول بين الإنسان وبين المعصية.

ثالثاً: من الأساليب المجدية في التربية، تقديم الأسوة والأمثولة الواضحة.

رابعاً: ليس الأنبياء وحدهم الأسوة، بل الأتباع ومن تربى على أيديهم أسوة أيضاً بقوله عز من قائل " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ..."

خامساً: البراءة لا تتم بالكلمات فحسب، بل تتجاوز اللسان إلى القلب، ثم بعده الى العمل والسلوك.

وسادساً: عليكم أن تحاربوا النفس والأنانية في كل موقف يمكن أن يؤدي إلى تعاظم حب الذات.

أما الآن، إخوتنا الأكارم، ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيتين الخامسة والسادسة من سورة الممتحنة المباركة...

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{5} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ{6}

الفتنة، أيها الأفاضل، لها في اللغة أكثر من معنى، فتدل على القتال والعذاب والإمتحان، فإيذاء الكفار المؤمنين إمتحان لهم لإظهار خبثهم وعنادهم.

ويخبرنا الله عزوجل عن أن النبي إبراهيم (ع) أسوة بعد أن يكرر كلمة (ربنا) في الآيتين الرابعة والخامسة، وكأنه بذلك يريد أن يخبرنا أنه ليس أسوة في البراءة فحسب، بل في الدعاء والمناجاة أيضاً.

وتعلمنا هاتين الآيتين الشريفتين تعاليم، منها أولاً: من آداب الدعاء مخاطبة الله عزوجل بصفة الربوبية، وكثير من أدعية القرآن الكريم تبدأ بقوله تعالى (ربنا).

ثانياً: من علامات العزة أن لا يكون الإنسان أداة بيد عدوه.

وثالثاً: إعراض الناس عن الله وأوليائه لا يضر بالله سبحانه ولا بأوليائه.

إخوة الإيمان، ختاماً نشكركم لحسن إصغائكم وطيب متابعتكم لبرنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر تقبلوا تحياتنا وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة