بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف خلق الله، محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أعزاءنا المستعمين، أحبة القرآن الكريم، سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات، تحية طيبة لكم لكم ونحن نلتقيكم في حلقة أخرى من برنامج نهج الحياة، حيث سنواصل فيها تفسير سورة الحشر المباركة، إبتداءً بالإستماع الى تلاوة الآيتين الرابعة عشرة والخامسة عشرة منها فتابعونا على بركة الله..
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ{14} كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{15}
أيها الأفاضل، أهمية الوحدة وبركاتها، التي تشير إليها الآية الرابعة عشرة، تظهر بأدنى مستوى من التفكر والتأمل؛ ولذلك يختم الله سبحانه هذه الآية بقوله (لا يعقلون) أما معرفة أن زمام الأمور كلها بيد الله وأن على الإنسان أن لا يخاف من ما سوى الله، وبالتالي تحتاج إلى مستوى أعمق من الفهم وهو الفقه؛ ولذلك ختم الله الآية الثالثة عشرة بقوله (قوم لا يفقهون).
ومن تعاليم هاتين الآيتين أولاً: تقويم الروح المعنوية للأعداء وحلفائهم، من الأساليب المهمة في المواجهة.
ثانياً: لا قيمة للتحالفات والإتحادات التي لا تبنى على أسس إيمانية ومعنوية.
ثالثاً: ينبغي لقائد المجتمع الإسلامي، أن يعرف تاريخ الأقوام والجماعات التي يمكن أن تؤثر على المجتمع الإسلامي.
رابعاً: البلايا والمصائب التي قد تصيب الإنسان، هي من آثار عمله ومن صنع يديه.
وخامساً: التعاون مع المنافقين، له آثاره السيئة في الدنيا كما له عقوبته في الآخرة.
إخوتنا الأكارم، ندعوكم الآن الى الإستماع الى تلاوة الآيات السادسة عشرة حتى الثامنة عشرة من سورة الحشر المباركة..
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ{16} فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ{17} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{18}
إخوتنا الأفاضل، تقع الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة في سياق تتميم الآيات السابقة، حيث يشبه الله فيها عدم وفاء المنافقين بوعودهم، بعدم وفاء الشيطان بوعوده، فليست وعوده إلّا كالبرق الخاطف، وما أكثر الأشخاص بل الدول الشيطانية التي تعد أنصارها، ثم تتركهم عند الأزمات يواجهون مصيرهم بأنفسهم.
ويكرر الله عزوجل في الآية الثامنة عشرة الأمر بالتقوى، وهذا يفيد التأكيد، ومضافاً إليه يمكن أن يدل التكرار على معان منها: الدعوة الأولى تتعلق بأصل العمل، والثانية تتعلق بكيفية أدائه. أو الدعوة الأولى هي دعوة إلى فعل الخير، والثانية هي دعوة إلى ترك المحرمات. وربما تكون الدعوة الأولى دعوة إلى التوبة، والثانية دعوة إلى التزود للآخرة.
ومما يمكن أن نتعلمه من هذه الآيات المباركة أولاً: وساوس المنافقين تشبه وساوس الشيطان وتسويلاته.
ثانياً: يبرر الشيطان والمنافقون عدم وفائهم بوعودهم بدعوى الخوف من الله.
ثالثاً: علينا أن ننعم النظر في ما ندخره لآخرتنا بوصفه عملاً صالحاً.
ورابعاً: لا ينبغي أن يعد الإنسان نفسه في مأمن في أي فترة من فترات حياته.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين التاسعة عشرة والعشرين من سورة الحشر المباركة..
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{19} لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ{20}
تشير هاتان الآيتان، أيها الأفاضل، إلى أن المنافقين هم أبرز مصاديق الذين نسوا الله؛ يقول الله عزوجل في الآية السابعة والستين من سورة "المنافقون" (نسوا الله فنسيهم) ومن الواضح أن الله تعالى لا ينسى ولا يغيب عن علمه شيء، والمراد هو أنه يحجب عنهم لطفه وكرمه.
كما تشير إلى أن الغفلة من أخطر الآفات التي تصيب الإنسان، يحكم الله على بعض الناس بأنهم أسوأ حالاً من البهائم بقوله تعالى في الآية السابعة والستين من سورة التوبة المباركة (اولئك كالأنعام بل هم أضل اولئك هم الغافلون) وعليه فإن الغفلة عن الله والغفلة عن يوم القيامة، والغفلة عن آيات الله، تؤدي إلى سقوط الإنسان في حضيض الحيوانية، بل إلى ما دونها.
ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان الشريفتان أولاً: المؤمن في معرض الغفلة عن ذكر الله، ولذلك يحتاج إلى التحذير والتذكير.
ثانياً: الدرجة الأولى في سلم هبوط الإنسان، هي نسيان الله والغفلة عن ذكره.
ثالثاً: العقوبات الإلهية متناسبة مع الأعمال الإنسانية.
ورابعاً: المعصية والإنحراف من نتائج الغفلة عن ذكر الله سبحانه وتعالى.
بهذا، إخوة الإيمان، وصلنا وإياكم الى ختام هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" حيث قدمناها لحضراتكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، فحتى لقاء آخر دمتم بخير ونسألكم الدعاء.