بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهداية والإيمان.. ثم الصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين في كل مكان سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. تحية طيبة لكم وأنتم برفقتنا وبرنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنستأنف في هذه الحلقة من البرنامج تفسير سورة المجادلة نشرعها بالإستماع الى تلاوة الآيتين السابعة والثامنة منها فكونوا معنا على بركة الله..
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{7} أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ{8}
قوله تعالى (ألم تر) في الآية السابعة، أيها الأحبة، تأتي من الرؤية بمعنى المشاهدة، وفي بعض الأحيان تستخدم هذه الكلمة بمعنى الفهم، وهذا المعنى هو المراد في هذه الآية. و(النجوى) فمن (نجوة) وهي المكان المرتفع من الأرض المنفصل عن غيره من الأماكن، ووجه تسمية الحديث مع شخص آخر سراً بهذا الإسم هو أنه عادة يؤخذ جانباً فيفصل عن سائر الناس ليتحدث معه. كما أن النجوى قد تتم بين المجرمين الذين يعقدون الجلسات السرية فيتآمرون ويخططون وينفذون من دون أن يطلع على سرهم أحد من الناس. وبعد أن تحدثنا الآية السابعة عن علم الله عزوجل واطلاعه على النجوى والأسرار، ففي الآية الثامنة يحدثنا، عز شأنه، عن نموذج من نماذج النجوى بين بعض الناس الذين يجمعهم العداء للنبي (ص).
ومما نتعلمه من هاتين الآيتين الشريفتين أولاً: النظر الذي لا يفضي إلى العلم والمعرفة لا قيمة له ويستحق صاحبه عليه التأنيب والتوبيخ.
ثانياً: تعدد الأشخاص وتعدد أفعالهم وأقوالهم، لا يعيق الله سبحانه عن علم ما يقولون ويفعلون.
ثالثاً: النجوى في جمع من المؤمنين منكر منهي عنه، حيث في الآية العاشرة من هذه السورة يقول عز من قائل (إنما النجوى من الشيطان).
رابعاً: لا ينبغي أن نغتر بالمهلة التي يعطينا إياها الله، فليس الإمهال دليلاً على الرضا.
وخامساً: القول السيء يمهد السبيل لسوء العاقبة لصاحبه.
أيها الإخوة والأخوات.. في هذه اللحظات ننصت خاشعين الى تلاوة الآيتين التاسعة والعاشرة من سورة المجادلة المباركة..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ{9} إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ{10}
"البرّ" أيها الأفاضل، عنوان عام يشمل كل أفعال الخير، والإيمان من نماذجه التي ذكرت في الآية السابعة والسبعين بعد المئة من سورة البقرة المباركة حيث يقول تعالى (ولكن البر من ءامن بالله..). وبالنسبة للكلام فموضوع الحديث ومضمونه هو الذي يضفي عليه القيمة، فيكون الكلام جيداً وذا قيمة أخلاقية إيجابية عندما يكون دعوة إلى الخير والتقوى؛ وأما عندما يتضمن الكلام دعوة إلى الشر كالظلم وما شابهه، فيكون حراماً. وفي بعض الحالات قد يكون المضمون جيداً إلا أن الوقت يكون غير مناسب فيأخذ حكمه من الوقت، كما في حالة النجوى بالخير في جمع من المؤمنين.
ومما نستلهمه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: المؤمن محترم حتى في حالة نهيه عن المنكر، فلا يبرر ارتكابه المنكر إهانته.
ثانياً: لا ينبغي الإعلان والجهر بكل كلام، فالكلام في الخير، في بعض الأحيان لابد من الإسرار به.
ثالثاً: كل كلام يؤدي إلى إثارة الخوف والفتنة بين المسلمين، هو عمل شيطاني، سواء كان في السر أم في العلن.
رابعاً: على المؤمنين أن يبطلوا آثار الحرب النفسية التي يخوضها الأعداء ضدهم.
وخامساً: التوكل على الله دواء كل مصادر القلق ورافع لكل المخاوف والإضطرابات.
أيها الكرام، أما الآن نشنف آذاننا بالإستماع إلى تلاوة الآية الحادية عشرة من سورة المجادلة المباركة..
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ{11}
"التفسح" عزيزي المستمع، هو توسعة المكان للقادم الذي يريد الجلوس، و(النشز) هو القيام من المحل إحتراماً للقادم.
كما حدثتنا الآية السابقة عن النجوى بوصفها سبباً من أسباب إثارة المخاوف والقلق بين المؤمنين، ففي هذه الآية يحدثنا الله تعالى شأنه عن توسعة المكان بوصفه سبباً من أسباب السعادة بينهم.
كما تشير الآية الى الدعوة للقيام احتراماً لمقدم المؤمنين والعلماء.
ومما تعلمه إيانا هذه الآية المباركة أولاً: الإفساح وتوسعة المكان لجلوس القادمين، قيمة من القيم الأخلاقية.
ثانياً: التوسعة على الناس، من موجبات توسعة الله على العبد، وثواب الله متناسب مع الفعل، الفسح يقابله فسح.
ثالثاً: يترتب على عمل العالم ثواب أكثر من الذي يترتب على عمل غيره.
ورابعاً: على الإنسان أن لا ينسى الله أثناء قيامه بواجباته الإجتماعية، وخلال قيامه وقعوده.
إخوة الإيمان، الى هنا وصلنا وإياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامج "نهج الحياة" حيث قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. فحتى لقاء آخر لكم منا أطيب الدعوات والمنى، دمتم بخير وفي أمان الله وحفظه.