بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين.. إخوتنا المستمعين في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمته تعالى وبركات.. وأهلاً ومرحباً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من حلقات برنامج "نهج الحياة" حيث سنواصل فيها تفسير سورة الحديد المباركة حيث نشرعها بالإستماع الى تلاوة الآية السادسة عشرة منها فتابعونا مشكورين..
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{16}
كلمة "يأن" أيها الأفاضل، من "آن" بمعنى مطلق الزمان. وبين الله عزوجل في هذه الآية أن سبب الخشوع هو ذكر الله، كما بين سبحانه أن سبب قسوة القلب هو طول البعد عن كتاب الله. وقد ورد في بعض الروايات أن طول فترة غيبة الإمام المهدي (عج) تؤدي إلى قسوة القلب وبُعد الناس عن الدين.
وما يمكن تعلمه من هذه الآية المباركة أولاً: يلام صاحب الإيمان غير المقرون بخشوع القلب.
ثانياً: أحد أهداف الوحي الإلهي هو تحقيق الخشوع في قلوب الناس.
ثالثاً: ذكر ألطاف الله وعفوه وغضبه وسننه، من وسائل تحقيق الخشوع.
رابعاً: دوام الغفلة يوجب قسوة القلب.
وخامساً: أدوات الهداية وحدها لا تكفي، ولابد من توفّر الإستعداد الروحي.
أما الآن، أيها الكرام، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين السابعة عشرة والثامنة عشرة من سورة الحديد المباركة..
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{17} إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ{18}
أيها الأفاضل، ورد في بعض الراويات تأويل حياة الأرض بانتشار العدل فيها بعد موتها بالظلم، وتشير الآية السابعة عشرة إلى ظاهرة الحياة بوصفها علامة من العلامات الدالة على قدرة الله عزوجل وعظمته. وهذه النعمة، أي نعمة الحياة، مرهونة بأمور عدة تكشف كلها عن عظمة المنعم، ومن هذه الأمور دوران الأرض حول الشمس، والمسافة المضبوطة بين الأرض والشمس، ووجود البحار والمحيطات، ونزول المطر من السماء.
وتحدث الله عزوجل في الآية السادسة عشرة عن القلب، وأشار في الآية السابعة عشرة إلى العقل، وفي الآية الثامنة عشرة يحدثنا سبحانه وتعالى، عن السلوك، وعليه فإن المنهج الأمثل للتربية والتعليم هو منهج التدرج والخطوات المتلاحقة. ففي الآية السادسة عشرة اعتُمِدت صيغة السؤال (ألم يأن)، ثم في الخطوة اللاحقة ورد الحديث عن خشوع القلوب، وبعد ذلك عن العلم والتعقل، وفي الآية الثامنة عشرة أخذ الكلام طابع اليقين والجزم.
أجل، عزيزي المستمع، يتوقف العمل على مساعدة المحرومين والمساكين على شرطين أساسيين، هما: أن يلين القلب ويخشع لذكر الله، وأن يفهم المتصدق ويعقل أن فعله هذا ليس خسارة على المدى البعيد، بحيث يعلم أنه كما تخضرّ الأرض وتزهر بعد قصف الرعد وتساقط المطر، كذلك نقص المال اليوم يعوَّض أضعافاً مضاعفة في اليوم الآخر.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، نشنف آذاننا بالإستماع إلى تلاوة الآيتين التاسعة عشرة والعشرين من سورة الحديد المباركة..
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ{19} اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{20}
"الصديق" أيها الأحبة، هو من يتصف بالصدق في القول والعمل؛ بحيث يكون الصدق جزءاً من طبيعته التي لا يخرج عنها إلى غيرها من الحالات. و"الشهداء" من الشهادة، وتنطبق هذه الصفة على شهداء الحرب في معركة الحق ضد الباطل.
و"الغيث" من الغياث والغوث، وهو المطر المفيد خاصة، وكلمة مطر تدل على كل ما ينزل من السماء من ماء على الأرض، مفيداً كان أم غير مفيد.
وما تعلمه إيانا هاتان الآيتان الشريفتان أولاً: الإيمان بالله وأنبيائه جميعاً من المؤشرات الدالة على الصدق عند الإنسان.
ثانياً: نور الإيمان بالأنبياء في الدنيا، سوف يكون نوراً في الآخرة للمؤمنين.
ثالثاً: ينبغي الجمع بين الترغيب والترهيب، الترغيب والوعد بالثواب للمؤمنين، والترهيب والوعيد بالعقاب لغيرهم.
رابعاً: يصحح القرآن الكريم للإنسان رؤيته إلى الدنيا، ويبصره فيها.
خامساً: رغم أن الدنيا لعب ولهو وتفاخر، لكنها إذا لم توضع على المسير الصحيح، سوف تودي بالإنسان في جهنم وعذاب الآخرة.
سادساً: لا ينال الإنسان رضوان الله تعالى ما لم يصلح أسباب الخلل في كيانه وسلوكه.
وسابعاً: على الإنسان أن يبقى بين الخوف والرجاء.
إخوة الإيمان، بهذا وصلنا وإياكم إلى ختام هذه الحلقة من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آي الذكر الحكيم نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.