بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. مستمعينا الأكارم في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه تعالى وبركات.. تحية طيبة لكم وأنتم تستمعون الى هذه الحلقة ضمن برنامج "نهج الحياة" حيث سنبدأ فيها بإذنه تعالى تفسيراً ميسراً لسورة الحديد المباركة التي تتكون من تسع وعشرين آية مدنية، حيث السمة الغالبة على آيات هذه السورة أنها تتحدث عن المسائل الإعتقادية، كما أنها تتعرض لبعض القضايا الإجتماعية ذات صلة بالدولة ونظام الحكم.
وجاء عن الإمام السجاد (ع) أنه سئل عن التوحيد، فقال (إن الله عزوجل علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون، فأنزل الله تعالى "قل هو الله أحد" والآيات من سورة الحديد إلى قوله "عليكم بذات الصدور" فمن رام وراء ذلك فقد هلك)
بداية أيها الأحبة ندعوكم للإستماع الى تلاوة الآيات الأولى حتى الثالثة من سورة الحديد المباركة..
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{1} لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{2} هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{3}
من تعاليم هذه الآيات الشريفة يمكن الذكر أولاً: الله سبحانه منزه عن كل عيب ونقص، ومظاهر الوجود كلها في السماوات والأرض تشهد له عزوجل بذلك.
ثانياً: قدم الله تسبيح المخلوقات السماوية على الأرضية.
ثالثاً: القدرة وحدها ليست مهمة وإنما المهم هو إقترانها بالحكمة.
ورابعاً: أول الوجود وآخره، وشهوده وغيبه، بيد الله تعالى.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، نقدم لحضراتكم تلاوة الآيات الرابعة حتى السادسة من سورة الحديد المباركة فكونوا معنا..
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{4} لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ{5} يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{6}
تشير الآية الرابعة الى أن الإيمان بعلم الله تعالى وحضور المخلوقات بين يديه، من أهم وسائل التربية النفسية؛ فعندما يلتفت الإنسان الى علم الله بما يفعل لا ينبغي أن يقدم على مخالفة أو يجترئ على معصية.
ومن أهداف القرآن، التعريف بالله وصفاته، والدعوة الى التوحيد، وهذا من الأهداف الواضحة لسورة الحديد ولا سيما في آياتها الأولى.
ومما تعلمه إيانا هذه الآيات المباركة أولاً: لا يعلم الله أجزاء المخلوقات فحسب، بل يعلم ما يصدر عنها من أعمال.
ثانياً: لا شريك لله في الخلق، ولا شريك له في إدارة شؤون المخلوقات وتدبيرها.
ثالثاً: الوجود له هدف محدد من قبل الله تعالى، وهو يسير باتجاه هدفه.
ورابعاً: دوران الليل والنهار، وطول الأيام وقصرها، من نماذج التدبير الإلهي للكون.
إخوتنا الأفاضل، في هذه اللحظات نشنف مسامعنا بتلاوة الآيات السابعة حتى التاسعة من سورة الحديد المباركة..
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ{7} وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{8} هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{9}
الخطاب في الآية السابعة، عزيزي المستمع، موجه إلى المؤمنين، والمراد من الأمر بالإيمان، هو العمل بمقتضيات الإيمان ولوازمه، وكأنه يقول لهم إذا كنتم تدّعون الإيمان فلهذا الإيمان أمور لابد من الإلتزام بها. ويحتمل في المقصود من جعل الإنسان خليفة في قوله تعالى (جعلكم مستخلفين) إما جعله خليفة عن الله تعالى في الأرض وإما المقصود الإشارة الى أن على الإنسان أن لا يظن أنه هو المالك لما في يديه من الأموال، بل عليه أن يلتفت إلى أن الله هو المالك الحقيقي وما الإنسان إلا مستخلف عليه أن يراعي إرادة من استخلفه على المال وغيره.
وتدل عبارة (إن كنتم مؤمنين) في الآية الثامنة، على أن الخطاب موجه إلى المؤمنين، ومن هنا يكون المراد من قوله تعالى (وما لكم لا تؤمنون بالله) هو العمل بواجبات الإيمان، وتكون معنى الآية: ما لكم تتصرفون على الصعيد العملي تصرف من لا يؤمن بالله والرسول؟
كما نستقي من الآية التاسعة أولاً: العبودية الخالصة، من العوامل المساعدة على نزول الألطاف الإلهية.
ثانياً: على المُبلّغ والداعي الى الله، أن يكون مزوّداً بالحجج الباهرة الواضحة.
ثالثاً: الهدف الأساس والأهم الذي يسعى الأنبياء لتحقيقه، هو هداية الناس وإخراجهم من ظلمات الجهل والشرك والفرقة.
ورابعاً: من أفضل الأدلة والآيات الكاشفة عن الرأفة والرحمة الإلهية، هداية العباد.
مستمعينا الأكارم، الى هنا وصلنا واياكم الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم القرآني (نهج الحياة) آملين أن قد نالت رضاكم؛ فحتى لقاء آخر دمتم بخير وفي أمان الله وحفظه.