الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام وعلى محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مصاديق الصادقين في خدماتهم وعطاءاتهم لآل البيت شاعرهم وعالمهم المرحوم الشيخ عبد الحسين الحلي، ان هذا الرجل كانت حياته مدرسة وهو علم ورجل في القالب ولكنه امة في المضمون وله المكانة المرموقة في الكمال والتضلع في مختلف العلوم والشيخ عبد الحسين الحلي ولد في مدينة الحلة الفيحاء في العراق عام 301 يعني اكثر من مئة وسبعة وعشرين سنة وكانت الحلة في ذلك اليوم بلد يغص بالعلماء الاعلام والكبار والخطباء والمؤلفين فهو نشأ في الحلة وترعرع بها ثم هاجر الى النجف الاشرف وعمره ثلاثة عشر سنة فأنشغل بالدرس والتدريس فقرأ مختلف العلوم والمنطق والفقه والتفسير وعلم الكلام والحكمة والحديث والفلسفة وغير ذلك واصبح استاذاً من اساتيذ الحوزة العلمية في النجف الاشرف وكان هو من طلائع تلاميذ شيخ الشريعة اعلا الله مقامه وملازماً له واخذ منه علم الدراية والرجال والهيئة والحساب وقد اجازه في الاجتهاد ولكن في نهاية الامر ونتيجة لصعوبة الظروف الاقتصادية انتقل الى البحرين ليصبح قاضياً وعالماً واستفاد منه اهل الخليج من علمه وبحوثه ونشراته وقصائده وكان في البحرين يتحف العلماء والادباء بروائع شعره ومقالاته وله الكثير من القصائد والموشحات والمقاطع في مختلف المناسبات خصوصاً في آل البيت حتى اتذكر ايام طفولتي كانت قصيدته التاريخية والجميلة تلقى في المهرجانات التي كانت تقام بمناسبة ميلاد الحسين(ع) يبدأها بالغزل ثم يتخلص بذكر مناسبة ميلاد الحسين(ع) ومطلعها:
يا ليالي بذكر العشق عودي
عله يخضر في عودك عودي
ان ايامي كانت خدمي فيه
لما كنت من بعض عبيدي
كلما هبت صبى قلت لها
يا غصون اعتنقي عطفاً وميدي
ثم يملأ القصيدة بالحكمة والموعظة الى ان ينتهي بالقول:
بهدى آل الهدى استمسك
فقد جمعوا الفائت بالفضل العتيد
عترة الوحي الذين ابتهجت
لهم الدنيا بأنوار الوجود
قد كفاهم انهم من نوره
خلقوا والناس طراً من صعيد
كفى عن مدح الناس لهم
مدحهم في محكم الذكر الحميد
ثم ينتقل في القصيدة الى ميلاد الامام الحسين(ع) يقول:
انتم حبل اعتصامي ان تكن
بلغت نفسي الى حبل الوريد
لكم مني الهنا ممتزجاً
بالاسى في مولد السبط الشهيد
فرحت اهل السموات به
وغدت تزهر جنات الخلود
آخر المطاف يقول:
انا في حشري عليكم وافد
طالباً حق ولائي ووفودي
وكان اساتذتنا يتحدثون عنه بأنه قليل النظير في النجف من الوجهتين العلمية والادبية فهو الاديب المتفوق الذي يتبارى امامه الشعراء وكان حكماً يذعن الادباء لحكمه، وكان هذا العالم الجليل خفيف الروح لذيذ المعشر، يظهر بمظهر التواضع والبساطة وله باع طويل في التأليف والتصنيف مثلاً من مؤلفاته المشهورة كتابه نصرة المظلوم وهذا الكتاب طبع وكانت النسخ تنفذ بسرعة وبعدة مرات ومنذ مدة فقد هذا الكتاب وكان واقعاً من الكتب الاجتماعية النافعة كما ان له كتاب نقد التنزيه وكتاب ايضاً ترجمة الشريف الرضي وهذا الكتاب هو دراسة قيمة كتبه كمقدمة لكتاب حقائق التأويل في مشابة التنزيل للشريف الرضي لكن المقدمة هي بوحدها كتاب يعني البعض كان يقول في المقدمة لايقل عن انتفاعي من الكتاب وذكر صاحب الحصون المنيعة ان الشيخ عبد الحسين الحلي هاجر الى النجف الاشرف وعمره ثلاثة عشر عاماً وعند دخوله النجف ارتجل في مديح الامام امير المؤمنين قد لايستطيع نظم مثلها اعاظم الادباء، اما ابياته التي ارتجلها يقولون لما وصل ورأى القبة صاح مرتجلاً:
يا علي الفخار فيك هدانا
الله بعد العمى سواء السبيل
كن مقيلي من العثار فأني
جاعل في ثرى حماك مقيلي
لا ابالي وقد اتخذتك كهفاً
عاصماً من كل خطب جليل
انت من خير معشر وقبيل
بحماهم يحمى ذمار النزيل
خلال وجود هذا العالم الكبير في النجف كان بيته ديواناً يعج بالعلماء والادباء ينضمون القصائد فلا يشهرون قصائدهم الا بعد عرضها على المرحوم الحلي فاذا اقرها نشروها وكان احياناً بعض الادباء يتعسر عليهم فهم بعض المصطلحات الادبية فكانوا يستمعون اليه وهو يطلق النكتة والنادرة الادبية والتعليقة الهادفة ويقرؤون علي يده شعره وشعوره ويستفيدون من نظراته ونظرياته ووجود هؤلاء العلماء فرص نادرة وايامهم ايام ثمينة أسأل الله ان يرحمه فاجئه الاجل عام 1374هـ في النجف الاشرف وكانت وفاته قد تركت فراغاً كبيراً في المستوى العلمي والادبي اشترك في تشييعه المهيب العلماء والفضلاء وكان نعيه امراً عزيزاً على الناس عامة واقيم له احتفال مهيب في منتدى النشر في النجف الاشرف وساهم في رثاءه وتأبينه ثلة من العلماء والادباء وانطوى بذلك سجل رجل كرس حياته ثلاثة ارباع قرن في خدمة آل البيت وفي خطهم ومحبتهم زاد الله من علو درجاته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******