الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مصاديق الصادقين العباد المرحوم ابو شعيب البراثي العابد، منطقة براثا تقع بين الكاظمية وبغداد وهي من المناطق الاثرية المعروفة ولم تكن مسكونة قديماً الا انها كانت تقع على طريق القوافل الذين يتجهون لزيارة الامامين الكاظميين(ع) وربما كان الزوار يستريحون في مسجد المنطقة المعروف بمسجد براثا.
ابو شعيب البراثي لم نجد اسمه وانما نجد كنيته هكذا وردت وهو اول من سكن هذه المنطقة كما في التاريخ وكما اورد الشيخ المحدث القمي(رض) في ترجمته انه كان قد نذر نفسه لخدمة اهل البيت وكان من الصلحاء والعباد وكان يقدم الخدمات لزوار الائمة كالاطعام وبقية الامور الاخرى لانهم كانوا يتعرضون الى مضايقة النواصب واعداء اهل البيت وذكر المحدث القمي لابي شعيب البراثي هذه القصة يقول بأن ابا شعيب كان لم يتزوج لعزوفه عن الحياة ولذائذها ولكن امرأة شابة مرت به بطريق الصدفة واستهواها وضعه وبساطة عيشه وكانت تنتمي الى عائلة ثرية وابوها احد الكتاب وقد نشأت في قصور منيفة لكنها ضربت على كل ذلك وآثرت ان تعيش مع هذا الرجل في حالة قبوله الزواج منها يعني انها جنت به وصارت كالاسيرة بين يديه ولما عرضت نفسها عليه قالت اريد ان اصبح لك خادمة فأشترط عليها التجرد من كل ما كانت عليه في مأكلها وملبسها وغير ذلك فأستجابت وقالت السير انها ذات ليلة ذهبت اليه ان يرفع الحصير، الفراش كان حصيراً من النخيل وقالت ارفع هذه الحصيرة لاني سمعتك تقول ان الارض تقول يابن آدم اتجعل بيني وبينك حجاباً وانت غداً في بطني فرفعها ابو شعيب ومكثا بعد ذلك ينامان على خشونة التراب يتعبدان احسن العبادة، هذا الرجل له الفضل في صيانة مسجد براثا وايضاً لقب هو بالمنطقة والمسجد وذكرت ان المسجد يقع على الطريق بين بغداد والكاظمية ولهذا المسجد من الفضل والشرف الرفيع، الحموي في كتابه معجم البلدان يقول براثا محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول وكان لها جامع مفرد تصلي به الشيعة ويقول وقد خرب طبعاً هو يتكتم على احداث تخريبية في الواقع وان الخليفة الراضي بالله العباسي بلغه ان الشيعة وهم زوار العتبات يجتمعون هنا وفعلاً كان المسجد محطة استراحة الزوار ويقيمون فيه مجالس العزاء والفرح وابو شعيب البراثي كان هو الذي يقيم هذه المناسبات والمجالس فرفعت عنهم تقارير الى الحاكمين آنذاك ان هؤلاء يسبون الصحابة ولعلهم يصرحون تقبيح الشيعة لما فعله معاوية وولده يزيد في هتك حرمات الاسلام وسفك الدماء يعرفون هذا بأنه مس بالصحابة دون ان يشير اي من هؤلاء الى ان معاوية سن لعن امير المؤمنين على المنابر سبعين عاماً أليس على الاقل الامام علي(ع) هو من الصحابة ناهيك انه هو ابن عم النبي ووصيه وهو النبي من نور واحد وان من يشن الحرب عليه فقد شن الحرب على رسول الله لقول النبي يا علي حربك حربي وسلمك سلمي، هذه التقارير لما رفعت امر الخليفة بحبسهم وتعذيبهم وشردوا وهدم السمجد عن آخرهم وسوي بالارض لكن هذا الحموي يتكتم عليه يقول وخرب وما بعد ذلك، في اواسط القرن الخامس الهجري اعاد الشيعة بناءه لاهميته ولانه من معالم الاسلام وفي الروايات مر بهذا المسجد امير المؤمنين في طريقه الى النهروان وصلى فيه وآثار ذلك موجودة كما وردت في فضله من اهل البيت روايات تشير الى عدة فضائل لهذا المسجد منها انه على رواية بيت مريم ابنة عمران وفيه نبعت عين الماء لمريم وقد ظهرت فيه معجزة لامير المؤمنين(ع) حينما ازال الصخرة عن عين الماء هذه ولم يكن يعرف قبل ذلك هذا الموقع ولم يعرف ذلك احد من قبل ومن فضائل هذا المسجد ان الامام امير المؤمنين والحسن والحسين(ع) اقاموا فيه اربعة ايام. في بعض الروايات ان عدداً من الانبياء صلوا فيه كما ان هناك اخبار بأن في هذا المسجد قبر ليوشع بن نون ويؤكد بخصوص هذا المحدث القمي اعلى الله مقامه يقول ان قبر يوشع بن نون يقع في فسحة المسجد المقابلة للمحراب بينما هناك روايات اخرى تذكر ان في هذا المسجد ردت الشمس على امير المؤمنين والذي في هذا ينضم السيد الحميري:
ردت عليه الشمس لما فاته
وقت الصلاة وقد دنت للمغرب
عموماً ان ابا شعيب البراثي رحمة الله عليه كان من السدنة المحافظين على هذا المسجد الذي كان يجاوره في سكنه وقد اصبح مسجد براثا في بعض الفترات يمثل جامعة علمية كبرى خصوصاً في عهد الشيخ المفيد الذي كان يدرس فيه اعواماً طويلة ويناقش فيه اصحاب الكلاميين وغيرهم والاشاعرة والمعتزلة وفي شهر رمضان المبارك كان يحييه بالصلاة ويدرس فيه اعواماً ومجالس تمتد من بعد صلاة العشاء الى السحر ثم تبسط موائد السحر وموائد الافطار وعظم شأن هذا المسجد اكثر حينما تولى فيه الشريف الرضي والشريف المرتضى التدريس والفتوى ومجالس الوعظ لكن الفتن التي كان يوقدها اعداء الاسلام بين المسلمين ادت الى خرابه عدة مرات فقد تم احراق هذا المسجد مراراً كما دمرت مكتبته وسرقت مراراً في غارات الوهابيين والنواصب الا انه في السنوات الاخيرة اعيدت اليه الحياة من جديد في العهد الملكي في العراق وقد سعى المرحوم مرجع الطائفة السيد ابو الحسن الاصفهاني الى صيانته ثم عمل الامام الراحل السيد محسن الحكيم رضوان الله عليه الى تشييد بعض اجنحته وعين فيه وكيلاً عنه لاقامة الصلاة وهو العالم الجليل المرحوم الشيخ علي الصغير واصبحت تقام فيه الاحتفالات بمناسبة ميلاد الرسول وميلاد امير المؤمنين ويوم الغدير حتى جاء الصداميون الكفرة اعداء الاسلام واهل البيت فقتلوا العلماء واعدموا الشباب واغلق المسجد وعطل الى ان منّ الله على اهل العراق بالفرج وخزي رئيس عصابة القتلة وسقط وولى فعادت الحياة الى هذا الجامع والحمدلله وقبر هذا العابد الشهير المؤمن وهو ابو شعيب البراثي يقع ضمن المسجد، البعض يقول انه اضيف الى المسجد والبعض يقول دفن في زواية من زوايا المسجد لكن لم يذكر المؤرخون والمصادر تاريخ وفاته الا اننا اعتمدنا في هذه الترجمة ما رواه المحدث القمي تغمده الله برحمته حينما كتب عنه وعن خدماته وما كان يقدمه للزوار خصوصاً في تلك الفترة العصيبة التي كانت تتعرض فيها القوافل الى السلب والنهب وكانت القوافل تجد في السير ليل نهار لاتجد لها مأمناً الا عند هذا العابد الشهير ابو شعيب البراثي الذي كان هو يشكل ذراعاً نشطاً في ابقاء هذه الشعيرة وهي زيارة الاماميين الكاظميين لان هؤلاء كانوا يهدفون الى قطع دابرالزوار والى الغاء هذه الحالة التي تمثل معلماً من معالم اهل البيت نسأل الله الرحمة والرضوان لهذا العابد الذي هو من مصاديق الصادقين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******