ورُوِيَ عن الإمام علِي ـ عليه السلام ـ أنه قال: "الْعَجْزُ يُطْمِعُ الأَعْداءَ".
العَجزُ: عَدَمُ القُدْرَةِ على فِعْلِ الشَّيْءِ، إمّا لِضَعْفٍ بَدَنِيٍّ، أو مادِّيٍّ، أو عِلْمِيٍّ، أو مَعْنَوِيٍّ، أو لِوُجودِ مانِعٍ يَمنَعُ من تَفعِيلِ ما لَدى الإنسان مِنْ إمكاناتٍ وقُدُراتٍ، والعجز خطير بلا ريب، فإنه يُخَلِّف تداعيات على مُجمل حركة الإنسان وفاعليته في الحياة، لكن الأخطر من ذلك أن يستسلم الشخص لعجزه، فإنه يزداد عجزاً وضعفاً إلى أن يصل إلى مرحلة يكون وجوده كعدمه.
في الحقيقة فإن كثيراً من العَجز منشؤه الوهم، أي أن يتوهَّم الإنسان أنه عاجز، وقد يكون منشؤه غفلته عن قدراته المختلفة، فيتوهَّم أنه لا يقوى على شيء، ولو أنه التفت إلى ذاته ونَقَّب فيها عن قدراته لاكتشف مَنجَماً من الطاقات والقُدرات، والإنسان مَنجَم حقيقي، فقد أودع الله فيه من القدرات ما لم يودِعْه في غيره من الكائنات، وتفَضَّل عليه بصنوف من المَواهب جعلته الأجدر والأَلْيَق بحمل أمانة الله التي أَبَت السماوات والأرض والجبال أن يحمِلنَها، فمَن يتوَهَّم العَجز أشبه ما يكون بقطعة الخشب المتفحِّمة، إن الناظر إليها يحسبها لا تكتنز شيئاً في داخلها، لكنها في الحقيقة تكتنز طاقة هائلة تحتاج إلى تفعيل، فإذا أدناها من النيران اشتعلت وتوهَّجت وأحرقَت، ولذلك فإنَّ الاستسلام للعجز غير مُبرَّرٍ، وهو قبيح، والمستسلم لعجزه يلومه الناس ويلومه الله، فقد جاء عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى يَحمَدُ علَى الكَيسِ ويَلومُ عَلَى العَجزِ، فإذا غَلَبَكَ الشَّيءُ فقُلْ: حَسبِيَ اللَّهُ ونِعمَ الوَكيلُ" فالله تعالى يَحْمَد الكَيِّسَ الفَطِنَ الذَّكِيَّ لأنه يكتشف قدراته ويتعرف على إمكاناته فيفَعِّلها ويستفيد منها بذكاء وحنكة، ويلوم العاجز المُستسلم لعجزه، وكيف له أن يستسلم وهو يرى أشخاصاً من ذوي الاحتياجات الخاصة يعتمدون على أنفسهم ويؤمنون بقدراتهم فيقومون بأعمال يعجب الإنسان من قدرتهم على القيام بها؟!
وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنه قال: "العَجْزُ آفَةٌ" وبهذا يكشف ـ عليه السلام ـ عن أن العَجز مَرَضٌ نفسي غير مُبَرَّرٍ، إذْ في مقدور الشخص لو وثق بنفسه وتعرَّف على المكنون فيها من قدرات ومهارات وفَعَّلها ونمّاها أن يفعل الأعاجيب، لكنه يستسلم لعجزه فيقعد أسيراً حسيراً مَلوماً لذلك قال أمير المؤمنين عليه السلام: "العَجْزُ مَهانَةٌ".
أما التداعيات الخطيرة التي تنتج عن العجز فكثيرة جداً أهمها:
أولاً: إن العجز سبب لتضييع القدرات والإمكانات، وسبب لتضييع الفرص، وسبب لتضييع العمر، فما أبأس الشخص الذي يضيع منه العمر دون أن ينجز شيئاً، وتضيع منه الفرص دون أن يستفيد منها، ويحطِّم قدراته ويهشِّم نفسه بإرادته.
ثانياً: إن العجز يفوِّتُ على الإنسان أن تكون له أهدافٌ سامية وغايات بعيدة، خالياً من الهمة، وخالياً من أدوات التعامل مع الأحداث والتجارب، فيتمترس خلف قناعته الزائفة بعجزه وضعفه، الأمر الذي يجعل منه شخصاً هامشياً لا يُعبَؤُ به، والإنسان في الحياة عُرْضة لهجمات متكررة من الأحداث والتجارب، فالشعور بالعجز موت بحد ذاته، لكنه ليس كأي موت، إنه موت بطيء قاتل يقتل في العاجز روحيته ومعنوياته.
ثالثاً: إن العجز يجعل الشخص هدفاً لأطماع أعدائه، ولقمة سائغة تحت أنيابهم، فيجترؤون عليه ويستقوون بضعفه، وقد يكونوا ضِعافاً حقاً ولكن استسلامه لعجزه يجعلهم أقوى منه، ولو أنه آمن بقدراته ووثق بنفسه لواجههم وصدهم وقضى على جرأتهم، ما يحدث للفرد يحدث للجماعات والشعوب، فالشعوب التي تستسلم لعجزها يطمع الأعداء فيها وفي أوطانها وثرواتها، وهذا ما نراه جلياً في تعامل الطغاة مع الشعوب التي استكانت لعجزها، أما تلك الشعوب التي لم تستسلم لعجزها وآمنت بقدراتها فقد استطاعت أن تحقق إنجازات خيالية، وأن تضيء الإشارة الحمراء أمام أعظم الطغاة ما جعلهم يتهيبون المنازلة معها.
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية بلال وهبي