وأجرت مراسلة وكالة "إكنا" للأنباء القرآنية الدولية في لبنان الإعلامية "ريما فارس" حواراً مع القارئ البناني البارز "علي حب الله".
وابتدأ القارئ "علي حب الله" بالتعريف عن نفسه قائلاً: "ولادتي كانت في بلدة "عيتا الشعب" الجنوبية عام 1978م في منزل يهتم بالاستماع إلى القرآن وتداول النقاش يومياً في آياته وأجوائه.. وتأثرت كثيراً بمشاهير القراء (الشيخ عبد الباسط، الشيخ الحصري، المنشاوي..).
وأضاف: "كان الأهل والأقارب كثيراً ما يشجعونني لقراءة القرآن في المناسبات الدينية والعاشورائية.. ولا زلت حتى الآن أقرأ في كثير من المجالس في بلدتي "عيتا الشعب" حيث أنهيت الدراسة الأكاديمية الإبتدائية والمتوسطة والثانوية في البلدة وانتقلت مكملاً دراستي في بيروت بإختصاص (معلوماتية) مع التزامي بمشاركات ودورات قرآنية (احكام تجويد، صوت ونغم) حصلْتُ في احداها على درجة الاول ـ امتياز ـ بمنطقة صور".
وفي معرض رده على سؤال حول إنعكاس القيم القرآنية على القارئ، أجاب "علي حب الله": "عندما تكون قراءة القرآن تدبراً، تنشأ علاقة قوية وعميقة ودائمة ـ باذن الله ـ بين القارئ والقرآن فتشكّل مفاهيم القرآن مضامين شخصيته، وتبدو المعاني في سلوكه وكلامه وحركاته.
وأكد علي حب الله أن الذي يتفاعل مع تجليات القرآن استماعاً وفهماً وحفظاً وترديداً يصبح مندفعاً إلى الفضائل والصفات الحميدة التي برزت أهميتها في كثير من قصص الأنبياء كالصبر على الأذى واللين في الدعوة والاحسان إلى المسيء والحلم في الغضب وقارئ القرآن يعرف كم للكلمة الطيبة من تأثير في تغيير العقول والقلوب.
وعندما سئل القارئ اللبناني البارز "علي حب الله" كيف يكون القارئ رسولاً ومبلغاً للقرآن قال: "إنّ قارئ القرآن يحمل مهمّة رسالية كبيرة ووظيفة سماوية إلى الأرض ومن عليها.. لأنّ الرسول (ص) حمل أمانة التبليغ لكتاب الله وتطبيق أحكامه ومبادئه هي في ذمة الذين تعهّدوه وصاحَبوه بالقراءة والتلاوة والتدبر.. والمجتمع الإسلامي يشيّد التربية القرآنية والثقافية الصافية من مصدرها والأقرب إلى ذلك المصدر وهو صاحب القرآن.. لذلك على القارئ أن يتحمل مسؤولية هذه الصفة الكاملة التي يُطالب بها من الله تعالى ومن عباده".
وأضاف أنه على القارئ أن يترجم ما يحمله من مفردات وأفكار قرآنية عبر السلوك والعمل حتى يكون نموذجاً محبِّباً وجاذباً إلى الكتاب الذي ينتمي اليه.. أن يرى الناس إنه يلبي نداء القرآن بالصبر وحسن الخلق والرحمة بالمخلوقات، والصدق في الاقوال والأفعال والبعد عن ما حرّم الله تعالى وحذر من عقابه في آياته.
وفي السؤال للقارئ "علي" عن حادثة تم حلها من خلال آية قرآنية أجاب: "كثيراً ما تُذكّر احداثٌ ووقائعُ في يوميات الإنسان المؤمن بآيات قرآنية تناسب الموقف وتكونُ ملهِمة لكيفية التصرف إزاء الحدث.. وعلى رأس ما كان يتجلى مِن خواطر ومعانٍ تُلْهمني بساطة المشكلة التي اعيشها اتجاه أي قضية (مدرسية، عائلية، اجتماعية، مالية) هو الصبر واليسر في مفهوم كتابه تعالى وتركيز قاعدة «ان الله مع الصابرين..» و «ان مع العسر يسرا» و اية «..ووَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ٭ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ» ومثيلها من الآيات التي كانت تعيد التوازن وتثبتني أمام المشاكل المعيشية.
وأضاف القارئ اللبناني "علي حب الله "مثالاً: "عندما وقعت حرب تموز كنت في بيروت الشياح بعيداً عن أهلي (الذين تشردوا الى بلدة رميش) وانقطع التواصل بيننا.. وكان الخوف عليهم يزداد.. ثمّ طال القصف بناية تبعد أمتاراً عن سكني.. نزحتُ مع اخي إلى الجبل.. لمْ أجد في تلك الفترة الموحشة العسيرة مؤنساً روحياً ومعيناً على تدبّر الأمور وفك الحيرة وطرد الأحزان الّا الوعي بالمفاهيم القرآنية وتحريك الحِكم والاقوال الآلهية في طريقة التفكير والسلوك فكنتُ أجد نفسي كما حث القرآن «الذين اذا أصابتهم مصيبة قالوا " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ" وكنت اعيش الطمأنينة عندما أتذكر قوله تعالى «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ..» وقوله "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا " واستمدُّ القوة والثقة من قوله «..قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا..».
وعن كيفية ترسيخ الانغام القرآنية لتحل مكان ألحان أهل الفسق وخاصة عند الشباب والصبايا اليافعين قال: "انّ للآيات القرآنية طريقةً خاصةً وأسلوباً مميزاً في تقديم الأفكار وتصوير المعاني من خلال الصُّور البيانية الدقيقة المتنوعة أحياناً، وأحياناً من خلال توزيع إيقاع متناسب على الآيات، والفاظ رقراقة موسيقية ينطلِقُ بها لسانُ القارئ انطلاقاً سهلاً، ويستقبلها سمع المتلقّي حتى يكاد يحفظها من سهلها الممتنع(لفظاً ومعنى)، لاسيما مع السجع العفويّ الرنّان في سياقات فنية تجري جَرْيَ الماء مع الفاظ عذبة متتابعة.. كلُّ هذا الغنى الفني والتلاؤم (بين المضمون والبناء الخارجي) في القرآن يبثُّ في القلوب والعقول بعداً موسيقياً راقياً ومناسباً يفْرضُ على المترنّم بالآيات الحانًا متعددة مختلفة حسب طول الآيات وقصرها، وبنغمات تستسيغها جميع الاذواق السمعية الموسيقية في العالم(على اختلاف اللغات)".
وأضاف القارئ اللبناني "علي حب الله" "لا شك انّ كلَّ ذلك يُوفّر فرصاً كبيرةً أمام القارئ المُجيد يمكّنه من توظيف صوته في إيصال الآيات الكريمة ملحّنة إلى إسماع الشباب والصبايا بألحان ملكوتية تهيمن على كل أنواع الموسيقى في العالم من حيث السهولة والعمق والصدق والعاطفة والحزن الجميل الذي يشرح اعماق النفس الانسانية دون تكلّف وتعقيد.
وقال: "إنّ ايّ قارئ موهوب يمكنه اليوم أينما حلّ في (المناسبات والمجالس والسهرات) ومن خلال تسجيلاته وبثها ونشرها على مواقع التواصل أنْ يَجتذب مختلف الأسماع الى أنس الألحان القرآنية، وأنْ نُكْثر مِن المقاطع والفيديوهات العامة المُرفقة بالقراءات التصويرية الملحنة وهي شديدة التأثير في وجدان اجيالنا اليوم بحيث يُصبح الغالب- لدى الكثير من صبايانا وشبابنا- هو الذوق القرآني في الألحان والأنغام.
وعن تطوير قدرات القارئ في اللغة العربية من خلال القرآن الكريم أجاب القارئ اللبناني "علي حب الله:: لا شكّ أنّ تمَرّسَ القارئ على الطريقة القرآنية في الفاظه ومعانيه، خصوصاً مع حفظ كثير من السور تُغْني فكره وعقله بكثير من الأفكار الواقعية أو الخيالية العرفانية لا الخيالية المبالِغة، فتأتي التعابير من قلمه صادقة صافية بقدر ما يتحسس القرآن في لحظات حياته ومشاعره اليومية.. كما تقدّمُ الثقافة القرآنية لحاملها منسوباً عالياً من الخبرة الإقناعية في طُرق الخطاب واستخدام الجمل الانشائية والخبرية في أماكنها المناسبة، كما وتشكّلُ المفردات القرانية البليغة قاموساً هاماً في متناول كلام القارئ مع الناس وتحاوره وكتاباته في المجالات عامة وفي الحقول الإجتماعية و التبليغية والإرشادية خاصة.
وفي الختام، قال القارئ اللبناني "علي حب الله": "لا ننسى أنّ قراءة القارئ السليمة لآيات القرآن بحركاته وسكناته لها فضلٌ كبير على تجنّبه لأغلب الأخطاء اللغوية والنحوية لفظًا وكتابةً، لأنّ القارئ الجيّد لا يجِد بُدًّا مِن معرفة قواعد التحريك والإعراب والتّصريف بما في ذلك من خدمة جليلة لضَبْطِ أدائه وحُسْنِ تلاوته".