الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين الذين ايقنوا ورغبوا في الشهادة هو الصحابي الشهيد حارثة بن النعمان الانصاري. هو من خيرة الشباب الذين التحقوا برسول الله(ص) وقد ذكر المؤرخون عن هذا الصحابي الشاب الكثير من الفضائل والصفات الايجابية او الكمالات.
هو ممن رزقه الله اليقين او المكاشفة، ما معنى اليقين والمكاشفة؟ فالطاعة درجات والعبادة مراحل ولكن هناك من المراحل مالا ينالها الا من هو ذو حظ عظيم والارتياض وبتحمل الشدائد والصبر على المحن وبالتالي الثبات وتجاوز مصائب الدنيا يصل الانسان آنذاك، تجنب المآكل التي تلوث الضمير، تجنب الاموال التي قد تكون فيها ما يتصور بالشبهات وهكذا السكن والجوانب الاخرى حينئد يدخل هذا الانسان مراقي الكمال ويصل الى درجة تخدمه الملائكة، تتشرف بخدمته الملائكة وتفتخر بتعاونه معها وينتهي الى درجة ما نسميه بالمكاشفة يعني تنكشف له اجواء وعوالم لا يصدقها الكثير من الناس لذلك لما نذكر هذا البعض قد لا يهضم ما معنى المكاشفة لان اليوم عالمنا عالم خطايا ويغرق بالدنس والتلوثات والاوبئة ونادراً ما هناك افراد بهذا المستوى ويكونون ولكن المجتمع يجهل مكانهم ويجهل تشخيصهم، هذا الشاب ممن رزقه الله اليقين والمكاشفة، وقد نور الله قلبه بالايمان وكان يرى في الدنيا حقائق الآخرة كما يقول امير المؤمنين(ع) في وصف المتقين، هناك خطبة كبيرة ومهمة جداً في نهج البلاغة تسمى خطبة وصف المتقين، الامام يقطع فصلاً خاصاً بصفات المتقين ثم من جملة صفاتهم يقول: «هم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون» او يقول الامام في هذا الاطار «الصافون اقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونه ترتيلاً فاذا مروا بآية فيها تشويق اصغوا اليها سمعاً واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها سمعاً وظنوا ان زفير جهنم في آذانهم واذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعاً شوقاً الى الثواب وخوفاً من العقاب»، هذا الصحابي الجليل من هذا النمط، اتصف بهذه الصفات.
يذكر الشيخ الكليني اعلى الله مقامه في الكافي ويذكر هذا ابن الاثير في تاريخه يقول: ان النبي(ص) صلى صلاة الصبح ذات يوم فشاهد شاباً وكأنه شاحب اللون وعينيه قد غارتا من السهر وبدا عليه الارهاق، قال له النبي كيف اصبحت يا حارثة؟
قال يا رسول الله: اصبحت موقناً! يعني وصلت الى درجة اليقين فقال له النبي: ان لكل يقين حقيقة فما دليل يقينك؟
فقال يا رسول الله: ان يقيني هو الذي احزنني فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها ويقيني هو الذي اسهر ليلي واظمأ هو اجري، يقصد انه لا يستقر نهاراً وليلاً ثم قال يا رسول الله: وكأني انظر الى الناس وقد حشروا للحساب وانا معهم- هذا ما نسميه بالمكاشفة- يقول هذا الشاب للنبي(ص) كأني انظر الى الناس وقد حشروا للحساب وانا معهم وكأن القيامة قائمة يا رسول الله وكأني انظر الى الناس فريقين، انظر الى اهل الجنة وهم منعمون وانظر الى اهل النار وهم يعذبون، هنا يلتفت النبي(ص) الى اصحابه ويقول: يا اصحابي هذا عبد نور الله قلبه بالايمان - هذه مراحل الايمان اوصلته الى هذه الكمالات- اي شملته العناية الالهية ثم التفت النبي الى هذا الشاب قائلاً: يا حارثة الزم ما انت عليه - في الواقع كمن يبذل جهد كبير وعناء يستمر سنوات الى ان يحقق ربحاً كبيراً او يعثر بجوهرة ثمينة، هنا تأتي مسؤولية اخرى وهي المحافظة على تلك الجوهرة الا تغيب ويسطو عليها طامع كذلك الانسان عندما يصل الى هذه المراحل الايمانية والدنيا تضايقه، والدنيا في كل يوم وفي كل لحظة تحاول ان تلعب معه بوسائل ومرغبات جديدة والنفس امارة بالسوء وتخضع الى التعرجات والتموجات والى المطبات- اي راقب نفسك لا تفلت منك هذه الدرجة من اليقين، فقال حارثة: يا رسول الله ادعو لي او ادعو الله ان يرزقني الشهادة! فدعا له النبي، وبعد مدة صارت مواجهة مع الكفار فخرج مع المسلمين استشهد تسعة وهو العاشر ليلقى الله شهيداً وهنا نؤكد ان اصحاب السلوك والقرب من الله يرون هذا الواقع كما يقول سبحانه وتعالى: «كلا لو تعلمون علم اليقين / لترون الجحيم / ثم لترونها عين اليقين» كيف نرى الجحيم، هو في الدنيا ثم لترونها عين اليقين في الآخرة يرى المؤمن النار بعينيه والجنة بعينيه هكذا كان اصحاب النبي، اصحاب امير المؤمنين واصحاب الحسين(ع) يتباشرون يوم العاشر وهم بين حرارة السيوف.
أسأل الله سبحانه وتعالى الرحمة والرضوان لهذا الصحابي الشاب حارثة بن النعمان الانصاري والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******