الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
ومن مصابيح الصادقين وشموعهم ومنارات تاريخ الاسلام الجهادي هو الشهيد صاحب الحسين(ع) عابس بن ابي شبيب الشاكري، من منالم يسمع بهذا الاسم واسمه يلمع بين اصحاب الحسين(ع) وهو من الذين هتف بهم الحسين في آخر لحظات حياته يا فلان ويا فلان ويا عابس.
هذا الرقم المبارك هو مخل من مخول المنبر والخطابة وشجاع من الشجعان، وهو من المجموعة التي وصفها الامام امير المؤمنين(ع) بقوله "لو تمت عدتهم الفاً لعبد الله حق عبادته" وكانوا يلقبون بالفتيان الصباح ومنهم عابس بن ابي شبيب الشاكري رحمه الله.
كان عابس بن شبيب عابد ومتهجد ولعله اقتبس ذلك من امامه ومربيه امير المؤمنين(ع) الذي يقول فيه الشاعر المرحوم الشيخ احمد الوائلي:
اخو الذكر والمحراب ان جنّ ليله
وصنو القنا والسيف ان طلع الفجر
عابس ابن ابي شبيب كان من هذا النمط في الليل عابد متهجد وفي النهار خطيب لسن وشجاع مقاتل وبطل مكافح، عابس بن شبيب من الشخصيات التي اعتمدها مسلم بن عقيل حينما ورد الكوفة كما انه حمل رسالة مسلم بن عقيل الى ابي عبد الله الحسين بعدما بايعه الكوفيون واصطحب الحسين بعدها الى كربلاء وكان ذراعاً نشطاً في فريق انصار الحسين(ع)، ولما اندلعت المعارك وتأزم الموقف عزم عابس الشاكري على نيل السعادة والظفر بالشهادة فتوجه الى صديقه شوذب مولى شاكري، شوذب هو من متقدمي صفوف الشيعة وقد يبدو هذا الاسم غريب وغير متعارف عليه ومن الاسماء النادرة، وهو من حفاظ الحديث وحامليه وله مقام رفيع وله مجلس يجتمع اليه المؤمنون فيقرأ لهم الاحاديث وصار له شأن واصبح من وجوه محبي اهل البيت ورواد خطهم.
يوم العاشر وعندما تأزم الموقف تقدم عابس الى شوذب فقال له: يا شوذب ما الذي قررته في نفسك وما انت صانع؟ فقال شوذب: انني عزمت ان اقاتل معك دون ابن بنت رسول الله حتى اقتل، فرحب به عابس قائلاً: ذلك هو الامل منك! فتقدم بين يدي الحسين وكان يهتف عابس "تقدم ليحتسبك الحسين كما احتسب غيرك من اصحابه وحتى احتسبك انا فأنه لو كان معي الساعة احد انا اولى به مني بك لسرني ان يتقدم بين يدي الحسين حتى احتسبه، فان هذا يوم ينبغي لنا ان نطلب فيه الاجر بكل ما قدرنا عليه" سبحان الله ما هذا الوفاء وما هذه المشاعر وما هذه القلوب المفعة بالود الصادق، هذا مصداق اكمل بالمعنى الاخص لقوله تعالى "الاّ المودة في القربى" ثم يقول: "فأنه لاعمل بعد اليوم وانما هو الحساب غداً" طبعاً يشير عابس الى قول رسول الله(ص) "عباد الله اليوم عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل" وهنا تقدم شوذب وقاتل حتى استشهد رحمة الله عليه، وجاء عابس ووقف امام الحسين(ع) قائلاً: يا ابا عبد الله اما والله ما امسى على ظهر الارض قريب ولا بعيد اعز عليّ من نفسي ودمي لفعلت، السلام عليك يا اباعبد الله اشهد اني على هديك وهدي ابيك امير المؤمنين - هذا هو النجاح والفلاح - ثم مشى عابس بالسيف مصلتاً ذلك نحوهم وبه ضربة على جبينه وكان جبينه يرشح دماً وهنا يقول احد قواد الجيش الاموي وهو ربيع بن تميم وهو من قواد عمر بن سعد، يقول: لما رأيت عابس مقبلاً عرفته لاني سمعت عنه بالمغازي وكنت اعرف عنه واسمع بأنه من اشجع الناس فصحت بقومي ويحكم ان هذا اسد من الاسود هذا عابس بن شبيب، لا يخرجن اليه منكم احد فوقف عابس في وسط المعركة ينادي الا رجل، الا رجل، نادى ابن سعد برجاله: ارضخوه بالحجارة، فرشقوه بوابل من الحجارة من كل جانب، فلما رأى عابس ذلك القى درعه ومغفره ثم شدّ عليهم كما يقول الاديب:
يلقى الرماح الشاجرات بنحره
ويقيم هامته مقام المغفر
ما ان يريد اذا الرماح شجرنه
درعاً سوى سربال طيب العنصر
ويقول للطرف اصطبر لشبا
القنا فهدمت ركن المجد ان لم تعقر
يقول الربيع بن تميم: فوالله لقد رأيته يطرد اكثر من مئتين من الناس ثم انهم تعطفوا عليه من كل جانب - انعطفوا من الانعطاف - فضربوه بالحجارة والرماح والسيوف حتى هوى على الارض صريعاً فتنافسوا على احتزاز رأسه، وقد رأيت رأسه يتصارع عليه عدة وكل وقف امام عمر بن سعد وهو يقول انا قتلته فقال لهم ابن سعد: لا تختصموا هذا لم يقتله مقاتل واحد - كأنهم يقيّمون- وفرق بينهم بقوله هذا، فتقدم الحسين كعادته ووقف عنده مأبناً له بكلمات يفهم من خلالها موقعه عند الحسين وتأثر الحسين بمصرعه، ومضى عابس بن شبيب الى الجنان ليترك تاريخه يلمع متفاخراً بمواقفه الى يوم القيامة.
قد جاوروه ها هنا بقبورهم
وقصورهم يوم الجزا متحاذيه
أسأل الله له كمال الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******