الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطيبين الطاهرين.
وفي مقدمة موكب الصادقين الشهيد الثائر والبطل المخلد سليمان بن صرد الخزاعي، في منا لم يسمع بانتفاضة التوابين؟ الكل يعرف هذا العنوان وهذه الكلمة، انتفاضة التوابين هي اول انتفاضة مهمة بعد مصرع الحسين(ع) واهل بيته في كربلاء.
ان الشهيد سليمان بن صرد هو المنظر والقائد لهذه الحركة التي حركت التاريخ وهزت الوجدان الانساني لما جرى في ارض كربلاء ولهذا فنحن نعود الى الوراء قليلاً لقراءة ملف هذا الرقم العظيم وهو سليمان بن صرد الخزاعي، هو اساساً اسمه كان قبل الاسلام يساراً والذي غيّر اسمه هو رسول الله(ص) والنبي جرت العادة ان غيّر اسماء الكثير من اصحابه - يغيّر الاسماء الكريمة الى اسماء جميلة - فسماه النبي بسليمان وصار حبيباً لرسول الله وتلميذاً لصيقاً به واصبح ذات شرف وشأن عند قومه ويعرف بأنه من الدفعة الثالثة من المهاجرين، وبعد وفاة النبي لم يبتعد عن الامام علي بن ابي طالب ولم يرتد عنه ولمع اسمه يوم صفين كمقاتل محترف وبطل مشهور وهو الذي تصدى لحوشب، وهو مقاتل لجيش معاوية ومن مرتزقته وكان يعرف بأنه سيد قومه في اليمن وخرج في الخط الاول وكان يقدمه احد اليمانيين ويرتجز ويقول:
نحن اليمانيون مناّ حوشب
بن ظليم اين مناّ المهرب
فينا الصفيح والقنا المغلب
والخيل امثال الوشيج شرب
ان علياً فيكم محبب
في قتل عثمان وكل مذنب
فخرج لمقاتلته سليمان بن صرد وهو يرد عليه بنفس شجاع وبكل ثقة قائلاً:
يا ايها الحي الذي تذبذبا
لسنا نخاف ذا ظليم حوشبا
امسى علي عندنا محببا
نفديه بالام ولا نبقي ابا
وحصلت المواجهة وتراميا فوجه سليمان طعنة نجلاء لحوشب اردته على الارض يتخبط بدمه فأجهز عليه سليمان بن صرد وسرعان ما الحقه بجهنم، وعاد سليمان ووقف امام الامام امير المؤمنين وكان وجهه قد شجّ بالسيف والدماء تغطي بدنه فلما راه الامام قرأ هذه الآية "فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر".
ان سليمان بعد وفاة النبي(ص) اصبح من سكنة الكوفة وشهد مجريات الساحة مع الامام علي حتى محنة الامام الحسن ثم في محنة الامام الحسين لعب دوراً مهماً ومزدوجاً من اجل انجاز المهام المعقدة لنصرة الحسين لكنه لم يساهم مباشرة في نصرة الحسين قتالياً في كربلاء.
وبقي في الكوفة يراقب الوضع عن كثب ولكن بعد مصرع الحسين انتفض اولاً على نفسه ندماً على فوات الفرص وصار يخطط وينظر للانتقام من قتلة الحسين واجتمع هو ونفر من محبي آل البيت وهم يجاهرون ويرددون "مالنا مما فعلنا الا نفذي انفسنا في الاخذ بثار الحسين ولو استغرق سنوات" وقد استغرق التنظيم والاعداد ولهذه الانتفاضة فترة طويلة حتى تكامل العدد اكثر من اربعة الاف سمّو هؤلاء بالتوابين وجعلوا عليهم اميراً وقائداً وهو هذا البطل سليمان بن صرد.
اغلب القياديين في هذه الحركة هم من القدامى واصحاب امير المؤمنين وتعسكروا في منطقة تسمى بعين الوردة - منطقة بين الشام والكوفة في الصحراء ويقال لها رأس عين ايضاً - ولما نظموا صفوفهم خطبهم احد قادتهم وهو المسيب بن نجبة الفزازي قال في آخر كلامه: "وقد وليّنا هذا الامر شيخ الشيعة وصاحب رسول الله وذا السابقة والقدم سليمان بن صرد الخزاعي" وقدم سليمان كقائد للجيش وهنا خطب سليمان وقال في خطبته: "الا انهضوا فقد سخط عليكم ربكم ولا ترجعوا الى الحلائل والابناء ولا تهابوا الموت وما هابه احد قط الا ذلة" وكان ينادي: "احدوا السيوف واركبوا الاسنة واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل".
تحرك سليمان بجيشه للمواجهة وذلك عام 65 ﻫ يعني اربع او خمس سنوات بعد واقعة الطف تحرك رافعاً شعار يا لثلرات الحسين، وفي ذلك يقول هذا الشاعر اعشى همدان واصفاً سليمان بن صرد وقومه بقوله:
توجه من نحو الثوة سائراً
الى ابن زياد في الجموع الكتائب
بقوم هموا اهل التقية والنهى
مصاليب انجاد سراة مناجب
فساروا وهم ما بين ملتمس التقى
وآخر مما جرّ بالامس تائب
فلاقوا بعين الوردة الجيش فاصلاً
اليهم فحسوهم ببيض قواضب
فجاءهم جمع من الشام بعده
جموع كموج البحر من كل جانب
الى ان يقول:
فما برحوا حتى ابيدت سراتهم
فلم ينج منهم ثم غير عصائب
فأضحى الخزاعي الرئيس مجدلاً
كأن لم يقاتل مرة او يحارب
وهنا تقابل مقابلة مرة مع الجيش الاموي والتحق جيش قادم من الشام لتعزيز بجيش الامويين واستعر القتال واستمر عدة ايام وسقط الكثير من اصحاب سليمان فلما رأى سليمان بن صرد ما حلّ بأصحابه ترجل وكان ينادي:
من اراد البكور الى ربه والتوبة
من ذنبه فالى حياض الاسلام
حرّك بذلك اصحابه لينطلقوا بكل ضراوة فاردوا الكثير من خصومهم، بين قتيل وجريح حتى استشهدوا وكان في مقدمتهم سليمان يقاتل بلا كلل حتى امتلاء بدنه بالجراح وآخر المطاف رماه اليزيد بن الحصين بسهم فأرداه صريعاً واحتزّ رأسه في عملية شنيعة قذرة وحمل الرأس الى سليمان بن عبدالملك وهذه كانت من رذائل افعالهم، ويوم وصل الرأس الى سليمان اعلن ابتهاجه واعلن حفلاً بمناسبة هذا الانتصار بمقتل هذا الصحابي.
استشهد سليمان(رض) في ربيع الاول عام 65 ﻫ وله من العمر 93 سنة، جعله الله قدوة لكل ثائر من اجل الحق والسلام عليه وعلى جميع الشهداء والصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******