الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وممن يفتخر بهم تاريخ الصادقين هو المرحوم العالم المجاهد والثائر آية الله العظمى السيد عبد الرزاق آل الحلو الجزائري.
هو من مواليد النجف الاشرف عام 1275 ﻫ، تدرج فيها ودرس مبادئ العلوم الفقهية على ايدي كبار العلماء في عصره، ويجدر ان اذكر ان هذه الاسرة - آل الحلو - تميزت بأنتماء الكثير من العلماء اليها قديماً وحاضراً، كان المرحوم من المبرزين بين تلامذة المرحوم السيد محمد مهدي القزويني اعلا الله مقامه والذي هو من اساطين العلماء، كما تلمذ على يد المرحوم الشيخ محمد طه نجف، والميرزا حبيب الله الرشتي وكذلك الاخوند الخراساني رحمهم الله.
كان المرحوم السيد عبد الرزاق آل الحلو متواضعاً غاية التواضع، كريم النفس، عالي الهمة، سمح الاخلاق، كثير التحمل على المصائب والمحن ولا يزداد في المحن الاصلابة، يكتب عنه المرحوم آغا بزرك الطهراني في كتبه يقول في وصفه: "اني جاورت داره عدة سنين وكنت كثير التردد عليه واستزيد واستفيد من لقاءه وبركاته"، وينقل عنه احد اصحابه اني ترددت عليه زماناً، رأيته شعبي الطبع يقوم للصغير والكبير، يساوي بين الناس في استقبالهم بابتسامه، يقول استكثرت ذلك منه فقلت سيدنا انت بهذا السن تقوم للصغير والكبير، هذا وذاك، اجابني قائلاً: انظر، ان الله تعالى اخفى اولياءه بين عباده واني اخشى ان لا اعتني بأحد هؤلاء ويظهر بعد ذلك بأنه من اولياء الله ثم استشهد وذكر لي قصة، قال: سافرنا الى كربلاء لزيارة الحسين(ع) بواسطة السفن انذاك الى طويريج الهندية ومن هناك نستقل الدواب الى كربلاء، يقول: نزلنا في الهندية في خان الوقف الذي ينزل فيه الزائرون وفي الصباح خرجنا في طلب المكاري - صاحب الداية - دارت مشادة كلامية بين احد الزوار واحد المكاري، في الليل رأى ذلك الزائر في المنام كأنه بين يدي امير المؤمنين(ع) وكأن الامام يقول له اذهب الى ذلك المكاري وارضه، يقول الزائر عند الصباح لم يعتني بالرؤية وتصورها اضغاث احلام، لكن في الليلة التي تلتها رأيت نفس الرؤية واذا فيها علامة انك اذهب لارضاءه وتراه صباحاً بباب الخان الفلاني، يقول استيقظت وذهبت فعلاً ووجدته بنفس المكان وارضيته واعتذرت اليه، يقول السيد عبد الرزاق الحلو سأل المكاري: انك من عامة الناس ماذا عملت حتى خطيت بهذا القبول عند الائمة وعند الامام امير المؤمنين(ع) بحيث لك هذه المكانة؟ تأمل قليلاً ثم قال لي: اتذكر اني سافرت مع قافلة لزيارة الحسين(ع) مع الزوار فضلوا الطريق وكادوا يموتون عطشاً وبعد جهد جهيد اهتديت الى بعض اثار الطريق وعثرت على بئر فيه ماء في قعره، فنزلت بصعوبة وانا كنت عطشان ايضاً واردت ان اشرب الماء وكان الماء بارد وهنا تدكرت الموقف لابي الفضل العباس وانا في قعر البئر والمعنى تجلى امام عيني كيف تذكر ابو الفضل العباس عطش الحسين حينما نزل الى المشرعة وغرف الماء وامتنع عن شرب الماء، يقول انا امتنعت ايضاً قلت لا اشرب الماء قبل زوار ابي عبد الله الحسين فحملت الماء للزوار وانا عطشان وانقذتهم وهم خمسين شخصاً، هنا هذا الزائر يبكي ويستسمح الرجل ويعتذر اليه وصحبه الى زيارة ابي عبد الله الحسين(ع).
يقول المرحوم السيد عبد الرزاق الحلو: ان هذه القصة اعطتني هذا الانطباع الا اتعامل بمظهر الرجل من حيث اللباس والمظهر فقد يكون بين هؤلاء الفقراء والبؤساء ولي من اولياء الله.
المرحوم السيد عبد الرزاق الحلو اضافة الى تاريخه العلمي والفقاهة وغير ذلك فقد سجله التاريخ بطلاً مجاهداً ثائراً لعب دوراً خطيراً في ثورة العشرين اذ كان الى جانب جمهرة من الفقهاء كالمرحوم الحبوبي اعلا الله مقامه ووقف بوجه الغزو الانجليزي انذاك وخطب في الصحن الحيدري خطابات نارية كان يستجيش بها ضمائر المسلمين حتى ان القيادة العثمانية انذاك رغم موقفها الظالم اتجاه الشيعة قدروا للعلماء وبالخصوص السيد سعيد عبد الرزاق الحلو، قدروا لهم ذلك الموقف تقديراً كبيراً.
اثبت له المرحوم الطهراني في الذريعة عشرين مؤلفاً له اغلبها في الفقه والاصول واحد مؤلفاته دورة فقهية اسمها "جامع الاحكام" من عشرين مجلداً.
وبعد حياة غنية بالجهاد والجهود لبى نداء ربه في الرابع من جمادي الاولى عام 1337 ﻫ بعد عمر دام اثنين وستين عاماً، قضاه في الحسنات، وشيع تشييعاً باهراً ورثاه العلماء ومنهم الشيخ مزج العمران الفطيفي بقوله مابناً ومؤرخاً:
نعى للهدى روح جثمانه
نعي شجانا بالحانه
قضى عبد زراقها نحبه
وراح لروح وريحانه
مضى السيد الندب حلو
الصفات الى حوره ولولدانه
دعاه الا له فلبى نداه
وطار اشتياقاً للقيانه
تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******