الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
قبور بارض الجوزان محلها
وقبر بباخمرا لدى الغبرات
رحم الله شاعر هذا البيت دعبل بن علي الخزاعي وهو ضمن قصيدته التائية المعروفة، كثير ما يمر علينا من خلال المنابر كلام عن هذه المشاهر فمن هو يا ترى قتيل باخمرا؟ لان عجز البيت وقبر بباخمرا، من هو قتيل باخمرا واين تقع باخرا؟
انها البقعة التي تروت بدماء شهداء الاسلام بقيادة شهيد باخمرا وهو ابراهيم بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن ابي طالب(ع) وابراهيم بن عبد الله المحض من عيون الصادقين وهذا العنصر المبارك هو ممن يفتخر بهم تاريخ الكفاح والبطولة فعلى سبيل المثال شكل وجوده وجهاده هاجس مرارة وقلق لحكم الطغاة العباسيين - مرارة البعثيين باعتبارهم خلفاء طبيعيين للامويين والعباسيين لذلك اراها تتطاير على لساني - الطغاة العباسيين شكل وجود ابراهيم المحض لهم مصدر قلق واذى وبالخصوص المنصور الدوانيقي عدو آل الرسول وقاتلهم، فقد ذكر المؤرخون ان المنصور الدوانيقي بعدما ظفر بابراهيم بن عبد الله المحض وقضى عليه كان يشعر بالاستقرار النفسي وذات يوم قدمت اليه حلوى فاستطابها وكان يردد اثناء اكله "اراد ابراهيم ان يحرمني من هذه واشباهها"، هذا يكشف مدى الثقل الذي كان يشكله وجود ابراهيم بن عبد الله المحض.
استشهد عام 145 ﻫ في شهر ذي القعدة وهو ابن ثمان واربعين سنة في منطقة باخمرا وتقع بين الكوفة وواسط وبين باخمرا والكوفة سبعة عشر فرسخاً وقبره هناك يزار زيتبرك به الناس وكان ابراهيم المحض عالماً من كبار رجال اهل البيت وذكره الشيخ الطوسي بأنه من رجال الامام الصادق(ع) كما ذكره ابن النديم في الفهرست بأنه من شعراء اهل البيت وكان متضلعاً باللغة العربية واسرارها حتى انه كان جالساً ذات يوم في مجلس من علماء اللغة ودخل رجل وهو يخبر صاحب البيت قائلاً: "جئت من عنده وقد تركته يريد ان يموت" فضحك الحضار من كلامه رغم انهم من المختصين بعلم اللغة ولكن ابراهيم انتقدهم وقال: "لقد ضحكتم منها انها عربية بالاصل اما قرأتم قوله تعالى جداراً يريد ان ينقض ويريد بمعنى يكاد، فصاح ابو عمرو بن العلا وكان من اشهر علماء اللغة لا نزال بخير مادام فينا مثلك وقام وقبله"، اما قصة استشهاده ومقتله كما ذكرت السير انه واخوه محمد اختفيا بعد ان رفضا بيعة المنصور الدوانيقي اقتداء بالامام الصادق وشكل هذا مصدراً زعاج وامتعاض وقلق للمنصور الدوانيقي لما لهما من الموقع الاجتماعي في نفوذ الناس وهذا الح المنصور في طلبهما وقدم العروض والاغراءات ولكنه فشل لان ابراهيم كان يغير موقع اختفاءه فتنقل بين فارس واليمن والجبا والحجاز والموصل كما انه كان يتنكر بمظهره، الى هذا اشار المرحوم ابو فراس الحمداني:
محلئون فأصفى ورهم وشل
عند الورود واوفى وردهم لمم
وتوترت الظروف بالمنصور في القبض على ابراهيم حتى استعان بالسحرة والمنجمين الى ان ظهر ابراهيم بقتل العلويين بحيث يروي محمد بن عبد الله الاسكندري يقول: دخلت على المنصور فرأيته مضطرباً فسألته عن شانه فقال: يا محمد لقد قتلت من ذرية علي وفاطمة الفاً ويزيدون وبقى سيدهم وامامهم.
قلت: من؟
قال: انه جعفر بن محمد، والله لقد اليت على نفسي ان لا يمسي عليّ المساء حتى افرغ من دمه.
هذا اقرار صريح من الرجل بحجم الدماء التي سفكها من ابناء الرسول.
وفي لفتة اخرى وهو ما ذكره ايضاً محمد الاسكندري قال: دخلت على حميد بن قحطبة ظهراً في شهر رمضان واذا به يأكل وبصحة جيدة، فأستغربت لعدم صيامه وسألته فيما لو كان مريضاً او لديه مانع شرعي فقال: كل ذلك لم يك ولكن بعد الفراغ سأحدثك، لما انتهى قال لي: ما معنى صيامي وقد قتلت في ساعة واحدة ستين علوياً بلا ذنب، ثم ذكر لي الحادثة بشكل مفصل وانا ارتعد، قال لي: ان المنصور احضرني في غلس الليل وسألني كيف طاعتك لاميرك؟
قلت: اطيعه بالنفس!
قال: اخرج خرجت ثم ناداني ثانية فدخلت قال: كيف طاعتك لاميرك؟ قلت بالنفس والمال والولد!
قال: اخرج فناداني مرة ثالثة وعاد السؤال كيف طاعتك لاميرك؟
قلت: اطيعه بالنفس والمال والولد والدين!
قال: ان كنت صادقاً فخذ هذا السيف ونفذ كل ما يأمرك به هذا الغلام، فجاء بي الى بستان فيه بئر وثلاث غرف مقفلة فتح لي ابوابها واذا بستين علوياً مكبلين فقطعت رؤوسهم والقيت بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر.
ان التصعيد بلغ ذروته في اراقة دماء العلويين وهذا في عهد المنصور في عهد العباسيين وان كان طاغية العراق صدام انساناً كل هذا التاريخ بجرائمه التي فاقت هذا بملايين المرات، المنصور الدوانيقي انتهى بأمره الى هذا المستوى اضف الى مجموعة من العلويين بنيت اجسامهم في دعائم البنايات لذلك نهض من نهض وثار من ثار ومن هذه الانتفاضات ثورة ابراهيم بن عبد الله المحض والذي انضم اليه اربعة الاف من مختلف الطبقات كما افتى او حنيفة امام المذهب الاسلامي الحنفي بوجوب نصرته وبعث له بالمال ودعمه سياسياً فجهز له المنصور جيشاً قوامه خمسة الاف واخيراً وبعد منازلات عنيفة استشهد ابراهيم واربعمئة مئة من جيشه في باخمرا ودفنت اجسادهم مسراً ووضعت عليها علائم خوفاً من ان ينبش العباسيون قبورهم، كفعل ذلك بكربلاء وغيرها.
رثاه الكثير من الشعراء ومنهم غالب بن عثماني الهمداني بقوله:
كيف بعد ابراهيم نومي
على الفراش الوثير
وهم الذائدون عن حرم
الاسلام والجابرون العظم الكثير
هذا ملخص عن ما كتبته كتب السير عن هذا المجاهد والشهيد العظيم أسأل الله له عظيم الدرجات. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******