الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين في خدمة اهل البيت آل الرسول وفي محبتهم خطيب العلماء وعالم الخطباء المرحوم السيد صالح الحسيني الحلي وهو من مواليد الحلة الفيحاء في العراق ولد عام 1289 هـ وهذا الرجل من نوادر الدهر واعجوبة من فلتات الزمن في ذكاءه الوقاد ومن الذين اعجب بهم تاريخ العلماء والخطباء والمجاهدين في سبيل رفع راية الاسلام، بعد ولادته بقي في الحلة واستطاع ان يحفظ القرآن في بواكير عمره ثم حفظ كتاب نهج البلاغة وهو مجموعة خطب للامام امير المؤمنين(ع) وصارت لديه الملكة التامة على التحدث للجماهير واي رصيد اعظم من كتاب الله ومن كتاب نهج البلاغة فبعد ذلك انتقل الى النجف الاشرف مكباً على طلب العلم وهو بعد لم يكمل العقد الثاني من عمره فحضر دروس كبار علماء النجف كالمرحوم آغا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقاهة والآخوند الخراساني صاحب الكفاية وكان المرحوم السيد صالح الحلي متفوقاً بين اقرانه وكان الجميع يتوقع له مستقبلاً زاهراً في مستوى المرجعية الا انه آثر التوجه الى الخطابة الحسينية بألحاح وحصر جهوده وتكثيف اتعابه في هذا المسار ويقال وطبعاً يقال وينقل بشكل عام متواتر بأن نطفة انتقاله الى جو المنبر والخطابة هو انه كان ضمن جماعة من زملاءه العلماء متجهين الى كربلاء المقدسة لزيارة الحسين(ع) مشياً على الاقدام، كان هذا دأب الطلبة والعلماء وسيرتهم وكان الطريق من النجف الى كربلاء يمر بقرى ومزارع وبين هم يجدون بالمسير اذ استوقفتهم امرأة، ثم سألتهم على فطرتها اما فيكم من يقرأ على الحسين فتباطئوا بالجواب لانهم كانوا علماء لكن السيد صالح الحلي انبرى قال لها قائلاً نعم انا اقرأ فقالت عندي مجلس على الحسين وليس لدينا من يتحدث فيه نريد من يتحدث عن الحسين ومصائب الحسين فودع السيد صالح الحلي رفاقه وجاء الى تلك القرية والقافلة سارت وبقي عندهم اربعة ايام يقرأ ولاقى اعزازاً واكراماً لكنه في الواقع وجد لديه استعداداً ونجاحاً في خدمة المنبر الحسيني وبعدها تطور بسرعة حتى صار السيد صالح الحلي الخطيب الاول في سمعته وشهرته وكان يجمع بين العلم والفقه والخطابة لذلك كان يمتاز منبره بالحديث والمسائل الفقهية والاصولية وغيرها واشتهر في زمانه بأنه عالم الخطباء وخطيب العلماء ولم يكن له ند في المنبر آنذاك الا المرحوم الخطيب الشيخ سبتي اعلى الله مقامه، السيد صالح الحلي من خصائصه انه قوي الحافظة فلم يكد يسمع بيتاً او قصيدة ولو مرة الا وحفظها اما صفحات حياته الجهادية فأنه مجاهد، التاريخ يذكر انه حينما انقدحت الشرارة الاولى للحرب العالمية الاولى واحتل الانجليز البصرة وما الشبه اليوم بالبارحة لا اله الا الله وحاول الانجليز حذاع الشيعة بأنهم جاءوا محررين لهم من القمع العثماني لكن علماء الشيعة رفضوا هذه المخادعة ووقفوا مع خصومهم العثمانيين ضد الكافر المحتل فكان الخطيب السيد صالح الحلي يصول ويجول بمنابره بمحاضراته ويدعو المسلمين الى التلاحم سنة وشيعة ضد الغزاة المحتلين وضاق الغزاة الانجليز ذرعاً منه فقبض عليه عملاء الكفار واسلموه الى الانجليز فنفوه الى مدينة المحمرة آنذاك التي تعرف الآن بخرمشهر وكان حاكمها الشيخ خزعل وحينما انزلوا هذا العالم الجليل متعباً مهاناً في قصر الفيلية رفع صوته منادياً واخزعلاه فأغاثه عنده وآواه وبقي منفياً هناك ثمانية شهور حتى اطلق سراحه وعاد ليتخذ من مدينة الكوفة موطناً ولدى تنصيب الحكومة من قبيل الانجليز تصدى هذا العالم الجليل هاتفاً بمقاطعتها فقبض عليه مرة اخرى ونفي الى البصرة والفاو عدة اشهر تم افرج عنه وعاد ليسكن النجف الاشرف خطيباً وكاتباً وشاعراً وعالماً مجاهداً فكانت تنقل وتنشر له المقالات والبحوث كما ان قصائده كانت تلقى في المحافل والمجالس وجمعت في كتاب خاص اسمه الباقيات الصالحات وهذا بالاحرى ديوانه ومن ارقى قصائده قصيدته المفجعة الحزينة في الزهراء فاطمة(ع) ومطلعها:
لمصائب الزهرا هجرت المضجعا
واذيت قلبي من جفوني ادمعا
كما قرأت له قصيدة في رثاء الحسين(ع) وهي مليئة بالموعظة والحكمة قال في مطلعها:
سرح بطرفك ايها الانسان
في الذاهبين كأنهم ما كانوا
ومن اشهر قصائده والتي يتوارثها الخطباء والوعاظ قصيدته في استنهاض الامام المهدي(ع) ومطلعها:
يا مدرك الثار البدار البدار
شن على حرب عداك المغار
ثم يستنهض الامام المهدي لمصيبة الزهراء فيقول:
تنسى على الدار هجوم العدا
مذ اضرموا النار بجزل وثار
فما سقوط الحمل ما ضلعها
ما عصرها وربطها بالجدار
ثم يقول ويعرج على زينب(ع):
ورثت زينب من امها
كل الذي حرى عليها وصار
وفاته كانت عام 1359 هـ بعد عمر استمر سبعين عاماً وبعد مرض الزمه الفراش عاماً كاملاً وقد حمل جثمانه على الاكف في الكوفة الى النجف ودفن بمقبرته الخاصة بوادي السلام ورثاه العديد من الادباء والشعراء ومنهم الشاعر الملهم الشيخ عبد المهدي مطر بقصيدة رائعة قال فيها:
نعتك الخطابة والمنبر
وناح لك الطرس والمزبر
وفيك انطوت صفحة للبيان
بغير لسانك لا تنشر
ورثاه الخطيب الشيخ جواد قسام بقوله:
باتت لفقدك تندب الاعواد
واصيب فيك الوعظ والارشاد
فكان مدرسة تغذي النفوس بما يبهر أسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******