الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وممن يزهو بهم قاموس الصادقين هو شاعر اهل البيت الملهم والمجاهد بلسانه الشاعر المظلوم منصور بن سلمة النمري النظاري رحمة الله عليه والذي نبش قبره واستخرجت عظامه بسبب مواقفه من آل البيت(ع)، منصور النمري هو احد الشعراء الشيعة السبعة والعشرين الذين ترجمهم المرزباني في كتابه تلخيص اخبار شعراء الشيعة وهو من الشعراء الذين احتموا بالتقية وتظاهر بعكس ما يبطن لسلامة حياته كشاعر خدم رسالة اهل البيت وفي الواقع لم يظهر او لم يظهر الكثير من شعره في اهل البيت الا بعد وفاته وربما هذا هو السبب الاساسي الذي دفع بالسلطة الى اقتفاء اثره واهدار دمه وبالتالي نبش قبره وتخريب مرقده، اول تعرفه على الخليفة العباسي هارون الرشيد هو ان جدباً وقحطاً اصاب قومه فتوجه وفد منهم يضم مئة رجل الى هارون الرشيد فلما صاروا ببابه استكثر الحاجب عددهم فأجاز نصفهم ثم استكثر الحاجب الثاني عددهم فأجاز فقط لعشرة من الخمسين وبالتالي الحاجب الثالث ايضاً اختار من العشرة واحداً فأنتخب منصور النمري ودخل على الخليفة، سأله الخليفة وقال انا ممثل لكذا عدد فسمح له الخليفة العباسي لعشرين منهم ان يدخلوا، وكان هو الناطق فقال الخليفة ما تريد ان يقول المؤرخون كانت هذه نطفة انتحاله للشعر، هو كان فصيح وبليغ فأندفع قائلاً:
ما تنقضي لوعة مني ولاجزع
الا ذكرت شباباً ليس يرتجع
في بعض الروايات ان الرشيد اهتز لصدر البيت لما قال ما تنقضي لوعة مني ولاجزع قال اكمل اكمل فقال الا ذكرت شباباً ليس يرتجع، استحسن الرشيد وقال اكمل فأستمر منصور قائلاً:
ما كنت او في شبابي كنه عزته
حتى مضى فاذا الدنيا له تبع
واذا بالرشيد يبكي وهو يقول ما اسمك؟ قال منصور النمري فقال الرشيد يا نمري لاخير في دنيا لا يخطر فيها بحلاوة الشباب ويستمتع بأيامه، هنا ركز الرشيد عليه ورحب به ثم قال ما حاجتكم انت وهؤلاء الذين معك فأستمر المنصور النمري بقوله:
ركب من النمر عادوا بأبن عمتهم
من هاشم اذ الح الازل ما الجزع
منوا اليك بقربى منك تعرفها
لهم بها في سنام المجد مصطنع
فهنا الرشيد ذاب بهذه القصيدة وهو يقول ما حاجتكم قال:
خربت الديار وذهبت الاموال فأمر الرشيد حاجبه وقال اكتبوا لهم بكل ما يريدون ثم امر الرشيد بعشرة آلاف دينار لمنصور النمري فقط وامر الرشيد بأستقطابه وان يبقى من شعراء البلاد، هذه الحادثة او هذا الموقف اثار اليه الكثير من الجدل واتهمه البعض بالنفاق وغفل آخرون وصوروه بأنه من شعراء البلاط لكن خلال هذه الدقائق القليلة ارجو من المستمع ان يبقى معي لنعرف الفصول الاخيرة من حياته ونكتشف مأساته وموقعه من نصرة اهل البيت، منصور النمري رحمه الله كما ذكر الشريف المرتضى في الامالي انه كان يذكر اسم هارون في شعره لكن يقصد به في الظاهر هارون الرشيد الا انه لم يذكر هارون الرشيد يقول هارون ويقصد بذلك امير المؤمنين الذي هو للنبي بمنزلة هارون بحكم حديث المنزلة يا علي انت مني بمنزلة هارون من موسى ولهذا في بعض شعره يلمع هذا المعنى حيث يقول منصور النمري:
آل الرسول خيار الناس كلهم
وخير آل رسول الله هارون
فكان الرشيد يتصور هو.
رضيت حكمك لا ابغي به بدلاً
لان حكمك بالتوفيق مقرون
وكان يقصد به امير المؤمنين(ع)، لكن على ممر المدة التي كان يتردد فيها على البلاط العباسي واخذه بعض الهبات المالية من الرشيد خصوصاً لما انشد قصيدته اللامية:
ارى شيب الرجال من الغواني
بموضع شيبهن من الرجال
ايضاً اعطاه الرشيد بعد ان استلذ شعره عشرة آلاف درهم او قصيدته في الحكمة والعبرة:
ان المنية والفراق لواحد
او توأمان تراضعا بلبان
رحب الرشيد به وكافأه مالاً، لكن ارجو الانتباه الى هذا الفصل، سرعان ما انقلبت الامور بعد ان رفعت التقارير السرية الى الرشيد ضده وكان الرشيد لايأخذ بها ولا يتأثر بها حتى حضر الرشيد ذات يوم مجمعاً او منتدى للشعراء وهو كان يستمتع بالشعر فتأوه، سؤل الخليفة لم تتأوه قال والله تمنيت لو يكون منصور النمري حاضراً فأنبرى احد الشعراء الحاقدين على اهل البيت وعلى منصور النمري بالذات وقال للرشيد يا امير المؤمنين ان من ذكرت يتدين سراً بحب آل علي ويخفي عداءه لكم وانه يأتي بأسم هارون فيقصد بذلك علياً في اعماق نفسه وذكر للرشيد قصيدة منصور النمري في اهل البيت، له قصيدة نظمها سراً من شعره المخفي:
شاء من الناس راتع هامل
يعللون الناس بالباطل
الى ان يقول:
تقتل ذرية النبي ويرجون
جنان الخلد للقاتل
ويحك يا قاتل الحبيب
لقد نئوت بحمل ينوء بالحامل
الرشيد يستمع وكاد ان ينشق غضباً ثم هذا الواشي فجره للرشيد اكثر لما قال وتعلم يا امير ما يقوله المنصور النمري في مظلومية الزهراء، هذه قنبلة صعق الرشيد لها قال انه يصفها بالصديقة المظلومة وما عانته من الاضطهاد والظلم فيقول:
مظلومة والنبي والدها
نذير ارجاء مقلة حافل
الا مصاليت يغضبون لها
بالمصاليت والقنى الذابل
فقد الرشيد صوابه وكان يصرخ جنوناً ويل ابن الزانية يظهر موالاتنا ويبطن عداءنا ويوالي علياً وفاطمة وامر بأحضاره ووعد بالجوائز لمن يحضر منصور النمري فاضطر منصور الى ان يختفي وكانت وصيته معه وكفنه تحت ابطه وكان لاينام في مكان واحد اكثر من ليلة واحدة وفرق الرشيد تبحث عنه الى ان وصلت الاخبار للرشيد ان منصور النمري ميت فقال لا اخلي عنه حتى تشخصوا لي قبره وبعد سنين عثروا على قبره فأخبروا الرشيد بذلك فقال لا يهدأ غضبي حتى تنبشوا قبره وتستخرجوا عظامه وفعلاً نبش قبره وبعثرت عظامه وضيعت آثاره وذلك تشفياً وانتقاماً منه على موقفه من اهل البيت ومن اظهار مظلومية الزهراء فاطمة(ع) أسأل الله له الرحمة والرضوان وان يحشره بين يدي مولاته فاطمة الزهراء يوم القيامة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******