الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين الذين هم قدوة لنا ومناراً هو المرحوم عظيم علماء عصره وفريد دهره ابو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي اعلى الله مقامه وتغمده الله برحمته وهو من مواليد الحلة الفيحاء عام 602 هـ حينما ندخل مدينة الحلة الفيحاء نمر هناك بمشاهد شاهقة القباب لجمع من كبار العلماء، هذه القباب بنيت علي مراقد هؤلاء العلماء الكبار والشعراء والمحققين وفي محلة الجباويين نشاهد مرقداً واسعاً وقبة شاهقة وعالية تعرف بقبر المحقق الحلي ويسمى شارع هذا المزار بشارع المحقق وفي السنين الاخيرة تصدى المرحوم رجل الخير الحاج عبد الرزاق مرجان من وجوه الحلة واشرافها فوسع هذا المشهد وبنى عليه قبة شاهقة وذلك عام 1957 م هذا العالم الكبير ممن تفتخر بهم مدرسة اهل البيت الفقهية والاصولية ولعلي ذكرت في مجالات اخرى مكانة الحلة الفيحاء العلمية وذكرت عن حوزتها المهمة في اواسط القرن السادس الهجري او اخريات القرن الخامس الهجري اسس مدينة الحلة المرحوم سيف الدولة وسميت بأسمه اسمها القديم السيفية وعلى ضفة الفرات واشتهرت بعد ذلك بالحلة الفيحاء وتعتبر هي من ضمن افخر مدن العراق واعرقها وهي من مدن الشيعة التي تأسست على التشيع كالنجف وكربلاء وقم وحين تأسيسها تحولت الحضارة الاسلامية اليها ونبغ فيها من اساطين الفقة كأبن نما وابن ادريس الحلي صاحب السرائر وحينما فقد زعماء الحوزة العلمية موقعهم في بغداد بسبب سوء الاوضاع الامنية هناك ولم تعد مأوى آمناً لهم بسبب قمع الجائر طغرل بيك السلجوقي الذي شن حملة قمعية ضد الشيعة والتشيع وامر بأحراق دار الشيخ الطوسي ومكتبته الفاخرة ويذكر المؤرخون من ضمن الكتب الفاخرة التي احرقت مئة مصحف مخطوط بخط الخطاط المعروف ابن مقلة كما احرقوا كرسي الشيخ الطوسي الذي كان يجلس ويدرس عليه فسافر الشيخ الطوسي الى النجف فترة ولكن بسبب صعوبة المناخ الحار وعدم وجود الخدمات انتقل الى الحلة مع تلاميذه الثلاثمئة فصارت الحلة كعبة العلماء والفضلاء والمشتغلين واعود الى الحديث عن قطب علمي من اقطابها وهو نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي فوالده الشيخ حسن من كبار علماء عصره في الحلة وجده ايضاً كان عالماً ومحققاً والشيخ ابو القاسم حسن الحلي اشتهر بدقة النظر وسرعة الخاطر حتى قال عنه الحجة السيد حسن الصدر هو اول من نبع منه التحقيق وعنه اخذ وعلى يده تخرج ابن اخته العلامة الحلي جمال الدين الحسن ابن المطهر الحلي وهذا هو يكون خال العلامة الحلي الشهير وطبعاً على يده نبع الكثير من اعاظم العلماء وقال عنه الشيخ الحر العاملي بأنه رجل العلم والفضل والتحقيق والفصاحة والشعر لا نظير له في زمانه كما ان له شعر جيد وانشاء بليغ وقال عنه السيد محسن الامين العاملي انه كفاه جلالة قدر اشتهاره بالمحقق فلم يشتهر من علماء الامامية على كثرتهم في كل عصر بهذا اللقب غيره ثم يقول وما اخذه الا بجدارة واستحقاق والشيخ جعفر بن الحسن الحلي تفرد بعصره ببديع النثر كما قلت والنظم مع ما وهبه الله من جودة القريحة وقد قرأت له قطعة شعرية متخمة بالحكمة والعبرة يقول رحمه الله:
يا راقداً والمنايا غير راقدة
وغافلاً وسهام الدهر ترميه
بمن اغترارك والايام مرصدة
والدهر قد ملأ الاسماع داعية
اما ارتك الليالي قبح دخلتها
وعذرها بالذي كانت تصافيه
ثم يقول في آخر هذه المقطوعة:
رفقاً بنفسك يا مغرور
ان لها يوماً تشيب النواصي من دواهيه
اما مؤلفاته فقد تجاوزت العشرين مؤلفاً في الفقة والاصول ولكن اشهرها هو كتابه شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام وهذا الكتاب لا تخلو منه اي مكتبة سوى المرجع او فاضل او طالب علم وقد وصفه العلامة السيد حسن الصدر بأنه قرآن الفقه وهذا الكتاب لا يستغني عن دراسته اي طالب حوزوي وهو عنوان دروس المدرسين كفقه استدلالي في كل الادوار وشرح ايضاً اكثر من شرح وطبع مئات المرات ويمكن التعرف على عظمة ومكانة هذا الكتاب من خلال مقدمة وافية رائعة كتبها العالم الجليل السيد محمد تقي الحكيم كما ان من كتب هذا العالم الجليل النافعة فقهياً والمهمة كتابه المسمى بالنافع او يسمى حوزوياً المختصر النافع وهذا الكتاب نال اهتمام العلماء وقد طبع عدة مرات في العراق وفي مصر وفي ايران، لما طبع في مصر عام 1958 م وآنذاك كتب له مقدمة رائعة وزير الاوقاف المصري آنذاك كان بالخمسينات احمد حسن الباقوري قرأ هذا الكتاب وامر بطبعه وكتب له مقدمة وامر ان يدرس في الجامع الازهر فأقر تدريس هذا الكتاب في الجامع الازهر واجمالاً اقول انه من مفاخر الصادقين ومن رموز العلم والتقى والمعرفة ولعل خير من قيمه تلميذه الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح وهو يخاطبه بأبيات جميلة:
فأنت سيد اهل الفضل كلهم
لم يختلف ابداً في فضلك اثنان
في صدرك العلم مخزون بأجمعه
تهدي به من ضلال كل حيران
وفوك فيه لسان حشوه حكم
تروي به من زلال كل ظمآن
يا جعفر بن سعيد يا امام هدىً
يا واحد الدهر يا اماماً ما له ثاني
توفي رحمة الله عليه في الثالث من ربيع الثاني عام 676 هـ في الحلة وتفجع الناس وحزنوا وشيعه خلق كثير وهم يحثون التراب على ابدانهم، دفن في الحلة بمشهده المعروف الآن ورثاه الكثير من العلماء ومنها الشيخ الحر العاملي بقصيدة منها قوله:
قد قلت للقبر الذي ضمه
كيف حويت البحر والبحر طام
عليك مني ما حدى سائق
او غرد القمري الف سلام
تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******