الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن مفاخر الصادقين وشموعهم المتفانين في حب آل الرسول العالم الجليل والشاعر الشهير الشيخ محمد علي الاعسم رحمة الله وقدس سره، انه ينتمي الى اسرة علمية قطنت النجف الاشرف لثلاثة قرون وفيها الكثير من الاعلام والشعراء والكتاب كما اشار الى ذلك مفصلاً اصحاب التراجم كالاعيان وماضي النجف وحاضرها وشعراء الغري وغيرهم الشيخ محمد علي الاعسم هو من مواليد النجف الاشرف عام 1154هـ ويعتبر من الشعراء المجدين واللامعين في القرن الثاني عشر الهجري ونشأ المرحوم محمد علي الاعسم وترعرع في النجف الاشرف وكان ملازماً للسيد محمد مهدي بحر العلوم وكان صديقاً لصيقاً به وقالت الادباء قديماً والطبع مكتسب من كل مصحوب وبعد وفاة السيد المرحوم بحر العلوم لازم المرحوم الشيخ جعفر كاشف الغطاء صاحب الكتاب المشهور بكشف الغطاء وكان المرحوم الشيخ محمد علي الاعسم في بداية حياته العلمية يسكن احدى غرف الصحن الحيدري لانها كانت سكن ومدرس للفضلاء وطالبي العلم والتحصيل ولان لقضية الحسين(ع) ومأساته صلة مهمة تتعلق بالدين واحياءه وبقاءه اهتم العلماء في النجف الاشرف وكربلاء المقدسة قديماً وحديثاً اهتموا بقضية الحسين(ع) وتفاعلوا بها ولا يغيب عن اذهاننا ما ابتكره العلامة الحلي(رض) لتلاميذه بأن اعلن يوم الخميس عطلة ليستغل الطلبة ذلك لزيارة ابي عبد الله الحسين كون انها من المناهل التي تزود الطالب حيوية وشجاعة وتأصلاً في الارتباط بدينه والذود عن حياضه لهذا لما نعكف على دراسة حياة مراجعنا في الماضي والحاضر نلاحظ ان نتاجهم الفكري والعلمي لاينحصر على الفقه والاصول وانما ينسحب على موضوع اهل البيت بالذات والكتابة عنهم والنظم فيهم رثاءاً ومدحاً واستعراضاً لفضائلهم لذلك المرحوم الشيخ محمد علي الاعسم كانت له اليد الواسعة في الفقه والاصول وهكذا في نظم الشعر في رثاء اهل البيت بأبي هم وامي وبالخصوص في رثاء ابي عبد الله الحسين(ع)ويلاحظ هذا الامر وهو قبول عمله وقبول شعوره هذا عند اهل البيت وعند الحسين(ع) بالذات، ذكر مترجموه وهذه قصة جميلة وتكفيه هذه وشاحاً وفخراً وناجاً في الدنيا والآخرة فقد ذكر مترجموه ان المرحوم الشيخ محمد علي الاعسم ضمن ما نظم في الحسين(ع) نظم هذه القصيدة التي لا اعتقد ان احد لم يسمعها من الخطباء والقراء والذاكرين والقصيدة مطلعها:
قد اوهن الجلد الديار الخالية
عن اهلها ما للديار ومالي
فلما نظم المرحوم المطلع وابيات بعده عرضها على ولده وهو عالم تحرير وشاعر وهو الشيخ عبد الحسين الاعسم، اجابه ولده بأن هذه القافية قاسية وصعبة يقول المرحوم السماوي في كتابه ظرافة الاحلام في من قال شعراً في المنام ان الشيخ محمد علي الاعسم تركها متحيراً انه يواصل نظمها ام يتركها وفي تلك الليلة التي في اوائلها بدأ القصيدة وقال ولده ان قافيتها صعبة نام المرحوم الشيخ محمد علي الاعسم واستيقظ لنوافل الليل كعادته واذا به يفاجئ عند السحر ان طرقت الباب وفي وقت مريب فتح الباب واذا بأحد الخطباء اسمه ايضاً الشيخ محمد علي القارئ سلم عليه ثم اخبره انه رأى بالمنام هذه الليلة كأنه بالحرم، حرم الامام امير المؤمنين وشاهد الامام امير المؤمنين جالساً فلما اقترب منه ناوله الامام ورقة وقال يا شيخ محمد علي اقرأ هذه القصيدة في رثاء ولدي الحسين فقرأتها والامام يبكي والناس من حوله يبكون وانتبهت من نومي وانا احفظ هذا البيت وهو:
قست القلوب فلم تمل لهداية
تباً لهاتيك القلوب القاسية
ثم يقول الشيخ محمد علي القارئ اني لما استيقظت من المنام دونت هذا البيت بسرعة حتىلا انساه وقرأه، وهنا انهار الشيخ محمد علي الاعسم من شدة بكائه لانه لم يخبر احداً بهذه القصيدة الا ولده وبالامس فقط فأخرج الورقة فلما رآها الشيخ محمد علي القارئ وقال اي والله هي هذه الورقة فهنا اكب المرحوم الاعسم بتكميلها وحفظها الخطباء وكثيراً ما يستشهد منها معظم الخطباء بهذين البيتين:
تبكيك عيني لا لاجل مثوبة
لكنما عيني لاجلك باكية
تبتل منكم كربلا بدم ولا
تبتل مني بالدموع الجارية
انست رزيتكم رزايانا التي
سلفت وهونت الرزايا الآتية
وفجايع الايام تبقى مدة
وتزول وهي الى القيامة باقية
المرحوم الاعسم له الكثير من القصائد في الحسين(ع) وفي الائمة كما ان له ارجوزة في الفقه وله ارجوزة في الاطعمة والاشربة وآداب الطعام ورسوم الطعام، اصناف الطعام وهي مطبوعة بشكل مستقل يقول في مطلعها بادئاً بالنظم عن الخبز:
الفضل للخبز الذي لولاه
ما كان يعبد الاله
افضله الخبز من الشعير
وهو طعام البائس الفقير
له على الحنطة فضل سامي
كفضل اهل البيت في الانام
او مثلاً في استحباب تناول الملح قبل الاكل وبعد الاكل.
ابداً بأكل الملح قبل المائدة
واختم به فكم به من فائدة
فأنه دواء كل داء
يدفع سبعين من البلاء
ومن جميل ما قرأت له بيتين ينظم فيهما الحديث المشهور «اذا رأيتم الملوك على ابواب العلماء فقولوا نعم الملوك ونعم العلماء ورأيتم العلماء على ابواب الملوك فقولوا بئس الملوك وبئس العلماء».
يقول المرحوم الاعسم:
ملك يعاتب عالماً في تركه
لزيارة فأجابت العرفاء
يخشى مقال الناس حين
يرونه بئس الملوك وبئست العلماء
ومن آخر ما نظمه قصيدته المعروفة في الحسين(ع) ومطلعها:
ايسوغ بعدك لي شراب البارد
ويطيب لي ورد ولست بوارد
توفي المرحوم الشيخ محمد علي يالاعسم عام 1223هـ في النجف الاشرف ولبست النجف بفقده ثوبت العزاء ودفن في الصحن الحيدري في مقبرة الاسرة المعروفة تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******