ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ ـ عليه السلام ـ أنه قال: "الصَّبْرُ عَلى طاعَةِ اللّهِ أَهْوَنُ مِنَ الصَّبْرِ عَلى عُقُوبَتِه".
قد تكون الطاعة صعبة عليك، قد تجد صعوبة في أن تفعل جميع ما أمرك الله بفعله، وتجتنب جميع ما أمرك الله باجتنابه، رغم أن جميع ما أمرك بفعله أو اجتنابه مقدور لك، إن كانت نيتك جادة في الطاعة، ورغبتك أكيدة في القرب من الله تعالى والفوز بمحبته ومرضاته.
قد تجد صعوبة في أن تصوم شهر رمضان في الحَرِّ الشديد، أو تنهض للصلاة في البرد القارس، أو تعطي زكاة مالك الذي تَعِبتَ في جَنْيه، وقد تجد صعوبة في الامتناع عما تشتهيه نفسك، أو تدعوك إليه غرائزك، ولكن لو فكَّرتَ فيما دعاك الله إلى فعله أو نهاك عن فعله فستجد أن مصلحتك الدنيوية والأخروية، والروحية والبدنية، هي وحدها مِلاك الواجبات والمحرمات، فكل ما فيه مصلحة أكيدة لك يوجِبه الله عليك، وكل ما فيه مفسدة أكيدة يحرِّمه الله عليك، إن هذا الفَهم يدعوك إلى الطاعة المطلقة لله تعالى، لأنك تدرك أن طاعاتك له ترجع بالفائدة عليك، فبالطاعة تستجلب الخير لنفسك، وبالمعصية تستجلب الشرَّ لها، والعاقل هو الذي يدفع الضُّرَّ عنه ويجتنبه ولو كان مُحتَمَلاً، ويطلب النفع ولو كان مُحتَمَلاً.
إن هذا الفَهم هو المنشأ للطاعة واجتناب المعصية عند أولئك الذين يعبدون الله عبادة التجار والعبيد، الذين يطلبون النفع ويتجنبون الضُرَّ، ويعلمون أن عائد الطاعة يرجع عليهم حصراً وهو الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: "...وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..."﴿17/ الفتح﴾. وقال تعالى: "...وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"﴿71/ الأحزاب﴾. أما الأحرار العارفون بالله فمنشأ الطاعة عندهم هو إيمانهم بأن لله حق الطاعة على عباده، باعتباره خالقاً لهم، مدبِّراً لأمورهم، مُنعِماً عليهم بنِعَمٍ شَتَّى لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ولا يُؤَدّى حَقُّها من الشكر، وشكرها يكون بالطاعة لله سبحانه، إنهم يطيعون الله حُباً ويمتثلون أوامره رغبة وشوقاً ولا ينظرون إلى عوائد الطاعة المادية والروحية والدنيوية والأخروية، العائد الأهم عندهم امتثالهم لأمر الله، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ". وقال: "إِلَهي ما عَبَدتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، وَلا طَمَعاً في جَنَّتِكَ، وَلَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدتُكَ".
ولا ريبَ في أن معصية الله بفعل ما نهى الله عن فعله، وترك ما أمر الله به تترتب عليها عقوبة في الدنيا وفي الآخرة، والعقوبة تارة تكون جزاء على الفعل بمعنى أن يكون لكل معصية عقوبة بإزائها، كما هو الحال في قوانين العقوبات المتعارفة في عند البشر، وتارة أخرى تكون العقوبة هي الأثر الطبيعي للمعصية، مثل الذي يشرب السُّمَّ فإنه يعصي الله، والعقوبة هي الموت، فالموت أثر طبيعي لشرب السَّمِّ، ومعظم العقوبات بل لعل جميعها على هذا المنوال خصوصا في الآخرة.
مِمّا سبق يتضح أن العاقل هو الذي يختار الصبر على الطاعة ولو كانت ثقيلة عليه - على فرض كونها ثقيلة - والصبر عليها أهون بكثير من الصبر على العقوبة، لأن ثقل الطاعة يسير، وأثرها الإيجابي مستدام، أما المعصية فلَذَّتها قصيرة، وأثرها السلبي خطير ومستدام.
بقلم الباحث في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي