الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن عيون الصادقين ومفاخرهم المرحوم قدوة العارفين العلامة الكبير السيد علي آغا القاضي التبريزي ابن المرحوم السيد حسن القاضي، من نجوم مدرسة النجف الاشرف وهو استاذ ومربي العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان، السيد علي القاضي هو من مواليد مدينة تبريز في ايران 1282هـ وبرع من صغره وترعرع على حب العلم والادب وكان باقة خوارق في ذكاءه وفطنته واستعداده فتطور بسرعة في تحصيل المعرفة واوليات العلوم وفي ريعان شبابه انتقل الى النجف الاشرف لينتهل العلم بجوار باب مدينة علم الرسول امير المؤمنين(ع) والسيد علي آغا القاضي عرف بين الطلاب بعبادته وقلة حديثه وجده في طلب العلم وهنا نترك الكلام لاحد ابرز تلاميذه وهو العالم الكبير السيد محمد الحسيني الهمداني حيث يقول ان المرحوم السيد علي آغا القاضي قلما وجدت مثله فهو رجل نوراني وزاهد عابد وقد زاملته مدة طويلة وكنا نحضر درس المرحوم السيد كاظم اليزدي اعلى الله مقامه ونحضر دروس اساتذة آخرين ففي الوقت الذي كان فيه هذا الرجل بحراً مواجاً في العلم والمعرفة كنت اراه من جانب آخر رجلاً بسيطاً للغاية من قبيل او مصداق اذلة على المؤمنين يقول ففي الليالي الاحظه مشغولاً بالتهجد والعبادة والاستغفار وبالاسحار هم يستغفرون وفي النهار كان يستغل الوقت للمطالعة منزوياً عن المجتمع وصخبه.
ويواصل السيد محمد الحسيني الهمداني كتابته عن استاذه السيد علي القاضي ويقول كنت احس بدرجة الحرارة المرتفعة جداً في النجف خصوصاً عند الظهر بتلك السنين فلا كهرباء ولا وسائل تكييف والبلد يعيش حالته البدائية وكان الناس غالباً يلوذ عند الظهر بصوامعها وسراديب بيوتها في ذلك الوقت والذي تخلو الشوارع من المارة والبلد هادئ كان هذا السيد العظيم يستغل الفرصة فيذهب الى زيارة حرم امير المؤمنين(ع) ويكتب تلميذه هذا عن السيد علي آغا القاضي يقول وفي لفتة اخرى عن حياة هذا العالم الجليل ان بعض تلاميذه ذكروا عنه انه كان ملازماً لزيارة مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف واحياناً كان يقضي ساعات في الجلوس بين المقابر، هذه الحالة كانت سائدة قديماً ولا اعرف ما الذي حدث لها الآن هي حالة منتزعة من سيرة الرسول واهل البيت، النبي كان يقول زورا المقابر فأنها ترقق القلوب، على كل تلاميذ السيد علي القاضي يذكرون انه كان يقضي ساعات بين المقابر وكانت تعتريه هناك حالة خشوع وتتدبر وتفكر وهنا يذكر تلميذه المرحوم الشيخ محمد تقي الآملي وهو ايضاً من كبار العلماء الزاهدين في النجف الاشرف يقول انني كنت استكثر على استاذي السيد علي آقا القاضي تواجده في مقبرة وادي السلام حيث يقضي ثلاث ساعات او اربع ساعات احياناً ولم اكلمه بذلك مثلاً واحتراماً له يقول الشيخ محمد تقي الآملي بعد فترة فكرت بالذهاب الى ايران ولكن كنت متردد حيث كانت في ايران بعض الفتن والمشاكل ثم يقول نمت ليلتي وكنت اسكن في مدرسة من مدارس النجف وكان النعاس غلب علي في حجرتي نمت ورجلاي بطرق بعض الكتب وعند الصباح يقول ذهبت الى درس استاذنا السيد علي آغا القاضي بعد الدرس يقول الشيخ الآملي واذا به يشاورني قائلاً يا شيخ محمد تقي اني لا ارى سفرك الآن الى ايران صحيحاً لانه ليس بصالحك ثم اني مستغرب من طريقة منامك في حجرتك ورجلاك صوب الكتب وفيها الآيات واحاديث النبي واسمه والى غير ذلك، يقول الشيخ الآملي فأدهشت وانا مبهوت لان موضوع سفري كان سراً في نفسي كما اني لما نمت في الغرفة كنت لوحدي فسألته وانا مندهش من اخبركم سيدي ولم يعلم بنيتي وقصدي احد كما اني في الحجرة كنت لوحدي قال والبسمة تفترش وجهه هذا من طول جلوسي في مقبرة وادي السلام بمعنى انه اشار الى نقطة ثالثة وهو استكثاري عليه بطول مكوثه في المقبرة وهذه ايضاً اجابني عليها، يقول الشيخ تقي الآملي وهذا ايضاً كان امر اضمره في نفسي، هذا كله يدل على ان السيد علي آغا القاضي كان على درجة عالية من تهذيب النفس وتطهير النفس وترويض النفس، المرحوم السيد علي آغا القاضي بالاضافة الى عطاءه في الفقه والاصول كان مفسراً مهماً للقران ويقول العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب تفسير الميزان لما سئل من اين اخذت هذا المنهج، منهج تفسير القرآن يقول العلامة اخذت ذلك من استاذي المرحوم السيد علي آغا القاضي وما تأثره بحديث اهل البيت والاستماع الى مصائبهم فأنه كان ملازماً لحضور المجالس الحسينية وكان يقيم في بيته مجلساً اسبوعيا كما يقيم سنوياً احتفالاً بهيجاً بعيد الغدير تلقى القصائد والكلمات ويطعم اطعاماً عاماً ولا يسعني المقام هنا لذكر بعض جوانب حياته الاخلاقية والعبادية مثلاً اذكر عن المرحوم الحاج جاسم الاعسم وهو من تجار النجف الاشرف الاتقياء، يقول كنت شاباً متأثراً بالسيد علي آغا القاضي وذاكرته يوماً عن بعض النواقص في مسجد الكوفة وانها تحتاج الى متبرعين لان كان السيد علي آغا على صلة ببعض المحسنين الايرانيين الذين كانوا يزورون النجف الاشرف وفعلاً السيد ذاكر بعضهم فتبرع بشيء من المال لاكمال تلك النواقص وشرعنا ببناءها يقول كتبتا لافتة وذكرنا فيها ان بعض المحسنين تبرعوا وبواسطة السيد علي آغا القاضي، يقول الحاج جاسم الاعسم لما جاء السيد وشاهد اللافتة تغير لونه وتأثر ثم توجه بنفسه الى اللافتة وازالها ومنعنا من ان نذكر اسمه وهذا دليل على نكرانه للذات، وكان السيد علي آغا شاعراً ملهماً وله البديع من الشعر في اهل البيت ومناسباتهم يقول في بعض قصائده في التهجد:
وقد كان قلبي قبل ذا عنك لاهياً
ولكنني شوقته فتشوقا
الى ان يقول:
توكل على الرب الكريم الا ترى
كفايته من قد توكل واتقى
اليك كتاب الحق فأقرأه دائماً
لترقى به حتى تتلذد باللقا
توفي المرحوم السيد علي آغا القاضي عام 1366 هـ في النجف الاشرف في شهر ربيع الاول بعد عمر دام 83 سنة قضاها في خدمة مذهب اهل البيت ونشر احكامهم وفضائلهم ودفن في مقبرة وادي السلام بجنب قبر والده السيد حسين ورثاه الكثير من العلماء وادباء النجف الاشرف وكان قبره مزاراً يزوره العلماء والفضلاء والاولياء تغمده الله برحمته وزاد من علو درجاته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******