الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين الذين غمروا التاريخ ثراءً بصدقهم ودعمهم الحق الشاعر العبقري عبد الباقي الفاروقي العمري الموصلي المولود بالموصل عام 1204 هـ يعني عام 1790م، المرحوم عبد الباقي العمري صاحب منصب كبير، اذ ولي الموصل فترة ثم اصبح والياً على بغداد لفترة اخرى وله مكانة مرموقة في الاوساط العراقية على الصعيد الادبي والسياسي والاجتماعي وكتب عنه العالم الجليل الشيخ جعفر النقدي في كتابه منن الرحمن قال ان عبد الباقي ينتهي نسبه الى ستة وثلاثين ظهراً الى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب وكان من افاضل بغداد في عصره وكان شهيراً يشار اليه بالبنان، المرحوم عبد الباقي العمري كان شاعر شهير كانت مراسلات بينه وبين الادباء ومن طريف ما قرأنا في هذا الباب ان الحاج هاشم الكعبي رحمه الله كان في كربلاء فترة يقطن وفي النجف وكان بينه وبين ثلاثة من شعراء بغداد مراسلات وهو لم يواجههم ويتفق ان يسافر الحاج هاشم الى بغداد ويأتي الى المنتدى الادبي الذي كان آنذاك عامراً، يحضره شعراء كثيرون من جملتهم هؤلاء الثلاثة المشهورين، ناطق بغداد وشاعر بغداد وعبد الباقي العمري الذي كان هو آنذاك والياً فلما يدخل الحاج هاشم الكعبي الى هذا المنتدى وكان هو ملابسه بسيطة وجسمه نحيف لم يقابل بأحترام وصار على الهامش لكن نظرات بعض الحضار قيمته بشكل آخر على عكس مظهره ونتج عن ذلك ان سأله احد الحضار من انت يا حاج لان شاهده وجه غريب على الندوة فأجاب بهذا البيت قال:
انا الذي اخرست ناطق بغداد
وشاعرها وما تركت لعبد الباقي من باقي
والثلاثة كانوا حضار والثلاثة استأثروا هذا الكلام وواحد ينظر الى الآخر فقال لهم انا هاشم الكعبي فشبوا عليه وعانقوه وقيموه من جديد واعطوه موقعه، المرحوم عبد الباقي العمري له ديوان شعر يسمى بالترياق الفاروقي وقد كتب عنه استاذنا الكبير الخطيب المعظم السيد جواد شبر في ترجمة عبد الباقي في موسوعته ادب الطف بشكل مفصل وللمرحوم عبد الباقي العمري ايضاً كتب اخرى مثل نزهة الدهر وتراجم فضلاء العصر، نزهة الدنيا ومن اشهر كتبه والذي نصل الآن الى النتيجة الباقيات الصالحات، هذا في الواقع ديوانه الخاص بأهل البيت(ع) وعنده كذلك كتابه اهلة الافكار في مغاني الابتكار وعني بشعره جملة من العلماء والادباء وهذا اكتفي بالاشارة اليه واما ادبه في اهل البيت فيأتي في صدر قصائده خصوصاً ملحمته الشهيرة في اهل البيت والتي هي من اروع ما نظم ومطلعها هذه الملحمة:
طه ابو الغر الميامين الذي
كني فيهم وبهم تلقبا
ثم يقول:
جعلت حبي وموالاتي لهم
وعرض مدحي لنجاتي سببا
جربتهم لقمع معضل
من سقم قد اعجز المطببا
فقل لمن اعيا الطبيب داءه
دع الطبيب وأسأل المجربا
طبعاً هذا البيت يستعيره، ثم يعرج على كربلاء ويذكر مأساة الطف بأروع صور ادبية كما يدرج فضائل امير المؤمنين واحدة بعد الاخرى، اتذكر من ملحمته لما يأتي الى مصائب مسلم بن عقيل يقول:
لو كان في الكوفة غير مسلم
من مسلم ما قطعوه اربا
المرحوم عبد الباقي العمري له ديوان خاص بأهل البيت وقصائد رائعة ولكن لديه قصيدة موفقة عجيبة العينية وهذه القصيدة كتبت في عدة امكنة من مشاهد اهل البيت خصوصاً مشهد امير المؤمنين(ع) ومن القدم والى اليوم لا اعتقد ان احتفالاً او خطيباً متحدثاً حدث بمناسبة ولادة امير المؤمنين الا واستشهد بمقاطع من هذه القصيدة منها يخاطب امير المؤمنين:
انت العلي الذي فوق العلى رفعا
ببطن مكة وسط البيت قد وضعا
وانت حيدرة الغاب الذي اسد البرج
السماوي عنه خاسئاً رجعا
وانت باب تعالى شأن حارسه
بغير راحة روح القدس ما قرعا
سمتك امك بنت الليث حيدرة
اكرم بلبوة ليث ان انجبت سبعا
وقرأت له قصيدة في الرسول(ص) وهي من جميل شعره ومطلعها يخاطب النبي:
تخيرك الله من آدم
ولولاك ادم لم يخلق
وله قصيدة في امير المؤمنين، ثم يأتي الى قضية هل اتى ويقول:
وسائل هل اتى نص بحق علي
اجبته هل اتى نص بحق علي
زار عبد الباقي العمري النجف اول مرة عن طريق نهر الفرات بالسفينة الى الكوفة ومن الكوفة اتجه الى قبر امير المؤمنين عبر نهر الفرات ولما وصل القبر وقف امام القبر ويخاطب امير المؤمنين:
يا اب الاوصياء انت لطه صهره
وابن عمه واخوه
انت ثاني الآباء منتهى الدور
واباه تعد بنوه
يشير الى حديث النبي(ص) انا وانت يا علي ابوا هذه الامة:
ان لله في معانيك سراً
اكثر العالمين ما عرفوه
خلق الله آدماً من تراب
فهو ابن له وانت ابوه
وله بيتان لعبد الباقي العمري كتبتا على الصندوق العاج الذي هو داخل الضريح على قبر امير المؤمنين:
الا ان صندوقاً احاط بحيدر
وذي العرش قد ازى الى ذروة القدس
فأن لم يكن لله كرسي عرشه
فأن الذي في بطنه آية الكرسي
واذكر له قضية بأجمال: زار النجف مرة من المرات ونظم قصيدة في تلك القضية وهي من محاسن شعره، زار النجف وكان باب السور فعلقاً والناس متجمهرة على السطح فسأل لماذا الباب مغلق؟ قيل له ان اسداً داهم الباب ليدخل واغلقت الباب فمرغ الاسد خديه وسلم فتأثر عبد الباقي العمري وهو ينظر الى ذلك الاسد كأنه يومئ ويسلم نظم هذا الشعر:
عجبت لسكان الغري وخوفهم
من الاسد انصاري اذ جاء مقبلا
ليلثم اعتاباً تحط ببابها
ملائكة السماوات السبع ارجلا
وقد اغلقوا باب المدينة دونه
وذلك باب ما رأيناه مقفلا
فمرغ خداً في ثرى باب حطة
وردّ وقد اخف الزئير مهرولا
فلو عرفوا حق الولاء لحيدر
لما منعوا عنه مواليه لا ولا
اجمالاً توفي المرحوم عبد الباقي عام 1278 هـ (1862 م) وقد ارخوا وفاته بهذا البيت:
بلسان يوحد الله ارخ
ذاق كأس المنون عبد الباقي
دفن ببغداد في منطقة تعرف بباب الازج رحمه الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******