الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
رحم الله خطيب اهل البيت وشاعر اهل البيت الشيخ حمادي الكواز تغمده الله برحمته، هو من الصادقين بولاءه لاهل البيت وهو صادق بولائهم بكل وجوده، المرحوم الشيخ حمادي الكواز هو احد الشعراء الفحول وعرف بالكواز نتيجة عمله، هو ابن المرحوم الشيخ مهدي الحلي ومن الصعب ان يصدقني المستمع الكريم لو ذكرت له ان هذا الشاعر الفذ كان امياً لا يقرأ ولا يكتب، كما انه لا يعرف النحو الصرف ولم يعرف شيء عن البيان والبلاغة والاوزان والعروض والقوافي وغير ذلك، رجل كاسب صرف وكان كواز يبيع الكوز، الجرار، لكن انما نشأ فطرياً بأستعداد ذاتي، لديه استعداد خارق وذوق بارع فكان في حديثه الطبيعي مع المشتري، لما يصغي اليه المشتري كأنه يتكلم نثراً او يتكلم نظماً كان يسترسل النظم بأنسياب بما توحيه اليه القريحة من دون تغاير في الاساليب حتى ان بعض اقرانه ذكر هذه الملاحظة كما اوردها المرحوم اليعقوبي في كتابه البابليات او شعراء الحلة الفيحاء، ينسب الى بعض اقرانه يقول بأن احداً كان اذا اعترض عليه بزلة لحن فيجيبه يقول له راجع قواعدك العربية فالقول قولي وفعلاً بعد المراجعة يجد الطرف ان ذلك هو الصحيح - سبحان الواهب الخالق لهذه المواهب- هذا الشاعر الوفي الشيخ حمادي الكواز الوفي لآل الرسول، عاش في الحلة كوازاً يبيع الجرار والكيزان الاواني الخزفية وهو من مواليد الحلة عام 1245 هـ وتوفي وهو في بداية كهولته على اثر مرض عضال وترك تراثاً كبيراً من الادب وكان يحضر دواوين الادباء ولما يحضر يستولي على المجلس بتأليفه وشواهده الادبية، مرة كان يتضجر من الدنيا بقطعة شعرية، حقيقة جميلة ومفعمة بالحكمة:
امسي واصبح والايام جالبة
اليّ احداثها بالشر والشرر
تأتي فتمضي الى غير منافعها
ولست اعرف غير الضر والضرر
وفي الشبيبة قد قاست كل عنىً
اذن فماذا ارى في ارذل العمر
كأنه بهذا يشير الى معنى سبق للعبد الرحمن العطار الشاعر حيث قال:
وخير عمري قد ولّي وقد ولعت
به الهموم فيكف الظن بالباقي
فهو يستعير هذا المعنى:
ان كان آخر ايامي كأولها
اعوذ بالله من ايامي الآخر
يعني يشير الى الانسان اذا تقدم به السن وازدادت تجاربه وتضاعفت خبراته يقترب الى الله يقترب الى الحق، يبتعد عن سفاسف الدنيا اما اذا - نعوذ بالله- بقي على حالته ويعيش ايامه الاخيرة كأيامه الاولى فتلك الانتكاسة الكبرى والفاجعة الخطيرة.
ايها الاخوة المستمعون: ان هذا الشاعر اعتبره معجزة من معاجز الدهر كما قلت في البداية هو امي ولكن نلاحظ شعره ينضح بالحكمة، بالادب، بالنكتة، وقرأت عن هذا الشاعر انه صدمته الاقدار فمات له ولد صغير كان يوده فدفنه عند موقع في الحلة يسمى بمشهد الشمس فتأثر عليه ولما دفنه هناك دفنه بحزن كثير فقال عند دفن ولده مرتجلاً:
ليهني محاني مشهد الشمس انه
ثوى بدر انسي عنده بثرى القبر
وكان قديماً مشهد الشمس وحدها
فعاد حديثاً مشهد الشمس والبدر
والذي يبدو من خلال التفحص عن احواله انه قضى حياته ملازماً لاهل الفضل والخطابة وكان هو الذي انسحب عليه بهذا النتاج فكان يلازم الفضلاء، الخطباء، يحضر المجالس الحسينية، النوادي الادبية مما اكسبه قدرة اضافة الى استعداده الفطري كما نلاحظ من شعره وقصائده تفاعله بحب اهل البيت لذا وضعت هذا الرجل في قائمة الصادقين او من خلال هذا البرنامج رأيت ان اضع له سهماً بسبب نتاجه وعطاءه في حق اهل البيت في حب اهل البيت، كان متفاعلاً بحبهم متأثراً بما جرى عليهم من الخطوب والرزايا خصوصاً مصيبة الطف، وقد قرأت له هاتين البيتين من بعض قصائده في رثاء الحسين(ع):
شاب راسي والهم فيكم وليد
وبلّ الجسم والغرام جديد
قتل الصبر كالحسين شهيداً
لا لذنب والهجر منكم يزيد
ومن جميل ما قرأت له هي قصيدته العينية والتي عبئها في الدواوين بنفائس الحكم وتخلص فيها بذكر ما جرى على عترة آل الرسول فيقول في مطلعها:
اما الاحبة ما لهم رجع
اَلَفوا النوى وتأبد الربع
ثم يتخلص او ينتهي الى هذا المقطع الخاص فيذكر محنة آل الرسول فيقول:
اوصى النبي بوصل عترته
فكأنما اوصى به القطع
هذي رجالهم يغسلها فيض
الدماء ويلفها النقع
والماء يشربه الورى دفعا
ولآله عن ورده دفع
وابت هناك الخفض ارأسها
فغدا لهن على القنا رفع
يشير الى اثنين وسبعين رأساً حملت على اطراف الرماح محمولة من كربلاء الى الكوفة ومن الكوفة الى الشام في مظهر لا يفسر الا بأنه للنكاية والتشفي والانتقام، هذه مجموعة رؤوس القادة والعظماء، اثنين وسبعين رأس، نعم:
هذي رجالهم يغسلها فيض
الدماء ويلفها النقع
والماء يشربه الورى دفعا
ولآله عن ورده دفع
وابت هناك الخفض ارأسها
فغدا لهن على القنا رفع
لقد سمعت من بعض اساتذتنا في النجف الاشرف نقلاً عن بعض ارحام هذا الشاعر المجاهد الشيخ حمادي الكواز ان لديه تراثاً كبيراً من هذا القبيل وارثاً ضخماً لكن اولاده بسبب انصرافهم الى الاعمال التجارية وانشغالهم وابتعادهم عن اجواء العلماء والحوزة ضاع هذا التراث ولم يعرفوا قدره والله العالم لانعلم اين انتهى واين القي هذا التراث واين ذهب وشأنه شأن الكثير من هذا القبيل الذي ذهب ويحز في النفس حديثه، انه حديث محزن، توفي هذا الشاعر الشيخ حمادي الكواز الفذ في ايام كهولته بعد ان عاش ثمانية وثلاثين سنة اصيب بمرض عضال بذات الرئة وانتقل الى ربه في مدينة الحلة الفيحاء ونقل جثمانه الى النجف الاشرف في تشييع مهيب وشهد الناس في تشييعه في الحلة يبكون عليه بكاءً شديداً، في الواقع غياب هؤلاء فراغ ويترك تأثير، موت العالِم موت العالَم، شيع الى النجف رغم الصعوبات آنذاك وفي النجف الاشرف شيعه العلماء والادباء ودفن في مقبرة في وادي السلام بجوار مولاه مولى الموحدين امير المؤمنين(ع)، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يبيض وجهه في الدنيا والآخرة ببركات تعلقه بآل البيت والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******