الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن مشاهير الصادقين ومن ارفعهم رأسهم في دفاعه عن الاسلام وعن فكر اهل البيت هو العالم الشهير والمجاهد القدير اعلم الاعلام الشهيد السيد جمال الدين الاسد آبادي المشهور بالافغاني او بالحسيني.
لا احد منا الا وقد سمع بهذا الاسم ولا نمر بكتاب يختص بالتاريخ الاسلامي الحديث الا ونجد هذا الاسم يتردد امام اعيننا المرحوم الشهيد السيد جمال الدين الاسد آبادي، من مواليد 1254 هـ ولد في مدينة اسد آباد وهي قرية من توابع همدان. اما نسبته الى الافغان اشتهاره بالافغاني فهو من المشهورات التي لا اصل لها وكأنه بسبب مهمته الصعبة فقد كان ينتحل اسماء وهمية متعددة وازياء متنوعة من اجل تجاوز الصعاب او لعبور الخطر نظراً لمسؤليته الكبيرة في اسفاره الاصلاحية والتربوية والتعبوية فكان يضايقه بعض المأمورين للطغاة فمن هنا نلاحظ مرة كان يشتهر بالحسيني ومرة بالاسد آبادي ومرة بالافغاني ومرة بالسيد، وكان السيد جمال الدين يعرف ويسمى بحكيم الاسلام واشتهر ايضاً بفيلسوف الشرق، كتبت عنه المجلات والكتب وكتب عنه الفلاسفة فوصفوه بهذا الوصف - فيلسوف الشرق- وعين عضوا في مجلس المعارف في مصر وقد عظمته الزعامات العربية والاسلامية والاوربية خصوصاً في فرنسا ومصر وتركيا وايران كما تتلمذ على يده ثلة من العلماء ومن اشهرهم المرحوم الشيخ محمد عبده والذي لعب دوره في تأسيس النوادي العلمية والادبية في مصر وكان يديرها خصوصاً في منطقة المقطم او جبل المقطم وكانت هذه المجالس ابتداءاً على شكل دواوين ثم تبلورت فصارت شبه مجالس لكن لا يقرأ فيها النياحة والنعي وانما الادب والقصص المرتبطة بأهل البيت، ويذكر بعض العلماء في مجموعاتهم الخاصة كيف ان الشيخ محمد عبده ذات ليلة في احد هذه النوادي يستمع الى خطيب وهو يقرأ قصيدة السيد حيدر الحلي ووصل الى هذا البيت يستنهض الامام المهدي:
وحمل امك قدماً اسقطوا حنقاً
وطفل جدك في سهم الردى فطموا
والحديث عن السيد جمال الدين اسد آبادي اعتقد يحتاج المتحدث فيه الى مئتين دقيقة على الاقل ولكننا في هذا البرنامج وقتنا محدود وهي اربعة عشر دقيقة لذلك انا اجمل حديثي عن هذه الشخصية الرائعة.
السيد جمال الدين الاسد آبادي ينتهي نسبه الى الامام الحسين(ع) وكان ذكياً متوقداً الذهن فصيح الكلام، بليغ اللسان، عالي الهمة قليل النوم، كثير التفكير، سريع البديهة، حسن الاخلاق مثلاً كان يتقن اللغات العربية، الفارسية، التركية، الانجليزية، الفرنسية وكان يتلبس بملابس متنوعة في اسفاره من اجل تمرير مشروعه المهم ومهمته الصعبة ولذلك عرف بأنه صاحب اكبر مشروع حضار نهضوي وفكري وفي اسفاره ايضاً نلاحظ مثلاً انه قابل الحكام، بعض الحكام حاججهم ونلاحظ بأنه من العلماء الاوائل الذين فتحوا الطريق الى رعيل من العلماء في الخروج من اطار العيش في الكهوف وانما دفع بهم الى التحرك في البلدان والقيام بأسفار لنشر الحضارة الاسلامية وبث روح الوحدة والالفة والاخوة بين المسلمين في وجه الهجمة الافرنجية على الاسلام والمسلمين آنذاك واصدر مجلته الشهيرة المعروفة بالعروة الوثقى، كانت تصدر في فرنسا بباريس وكانت توزع في مصر وتركيا والاستانة آنذاك وايران ومختلف بلاد الاسلام وكانت هذه المجلة تمثل في ذلك اليوم رسالة واعية تتناول البحوث الحديثة وتناقش مشاكل المسلمين ومشاكل العالم الاسلامي وبالخصوص في مواجهة الزحف الغربي، آنذاك كان الوضع حساس وكانت تتهيأ الدول الاستعمارية الكبرى وتضع الحجر الاساس لبناء الكيان الصهيوني في فلسطين وكانوا متحيرين في اختيار منطقة تكون حساسة ومن خلالها يتحركون على الشرق الاوسط فأختاروا هذه البقعة التي هي مهد حضارات ومراقد للانبياء وقبلة المسلمين الاولى وهذا سطو خطير جداً حرج ووقف آنذاك السيد جمال الدين الاسد آبادي يحرك مشاعر المسلمين ويستجيش ضمائر العالم الاسلامي، السيد جمال الدين هو احد خريجي مدرسة النجف الاشرف، في البداية درس ردحاً من العلوم مع والده السيد صفدر الحسيني في ايران ثم انتقل الى النجف الاشرف مع والده ودرس عند الشيخ مرتضى الانصاري العالم الاصولي والمتبحر واعتنى به الشيخ مرتضى الانصاري عناية خاصة، من بين تلاميذه كان يضفي عليه عواطف خاصة فأنتهل من علومه في النجف ثم ارتحل الى ايران لاكمال دراساته فأشتهر بالفلسفة والرياضيات والفقة والاصول والحديث وعلوم الهيئة ولذا كان ذكاءه الخارق يكتب عنه زملاءه انه كان يبدأ الدرس عند الاستاذ لفترة ثم يتفوق عليه، سافر الى بريطانيا وعاش هناك فترة وبدأ الطواغيت هناك بمضايقته فأنتقل الى باريس وبقي هناك ثم ذهب الى الهند وعاش فترة واضطهده الانكليز هناك ايام استعمارهم للهند وكان يتنقل من بلد الى بلد ومن عاصمة الى عاصمة ويتلبس في عدة البسة في اسفاره، يلبس العمة السوداء او بيضاء مرة كوفية وعقال مرة بالطربوش ومرة بالجبة والعباءة ومن اجل ان يحقق النتيجة التي كان يتوخاها في توعية المسلمين واثر حينما نقرأ تاريخ هذا الرجل اثر في سفراته تأثيراً عالياً في نشر روح الاسلام والثقافة الاسلامية ويمكن القول انه هو الذي انار الطريق لغيره من العلماء المجاهدين في اسفارهم وتحركاتهم مثل الشيخ محمد عبده مثل المرحوم الزنجاني مثل المرحوم كاشف الغطاء مثل المرحوم الشيخ فضل الله نوري الهمداني، السيد البروجردي، الامام الخميني، الشهيد الصدر، هذا رعيل من العلماء الثوار الانتفاضيين الذين تحركوا لنشر العلم وتحركوا لاعطاء الصورة الثورية والنهضوية للاسلام وللفكر الاسلامي، المرحوم السيد جمال الدين الاسد آبادي تعرض الى تسع مرات عملية اغتيال سواء عن طريق الطعام او عن طريق الهجوم عليه او عن طريق حوادث افتعلت كذلك تعرض الى السجون مراراً عديدة وتعرض الى الاهانات والضرب، آخرها توفي هذا العالم الجليل شهيداً بعد ان دس اليه السم في فنجان قهوة، ذلك اليوم ايام العثمانيين كان يهود الدونمة هم الذين يحركون البلاط العثماني وهم الذين يتصرفون وهم وراء كل قرار سواء كان قراراً محلياً او دولياً فبعد ان تناول القهوة قضى شهيداً مسموماً في شهر شوال عام 1315هـ يعني 1896 م في اسطنبول وصلى عليه في جامع التشويقية ودفن في مقبرة المشايخ والتي يدفن فيها شيوخ الطرق او من يسمونهم بالاولياء وانتهت بذلك حياة بطل من ابطال الاصلاح وعلماً من اعلام الجهاد في البعد العلمي والسياسي والجهادي والثوري ليبقى مناراً في طليعة عظماء الاسلام فنسأل الله له الرحمة والرضوان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******