الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
حينما يدور الكلام عن الصادقين وهم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وفي طليعتهم الشهداء في طريق الاسلام وفي طريق الحق وفي طريق الدفاع عن قيم القرآن ومن هؤلاء او اللامعين من هؤلاء هو الشهيد جعفر بن الامام امير المؤمنين(ع).
هذا الشاب من المصاديق اللامعة والبارزة للصادقين بحق، جعفر بن الامام امير المؤمنين(ع)، استشهد يوم عاشوراء بين يدي اخيه الحسين(ع)، فقط من اخوان الحسين الذين استشهدوا يوم الطف كانوا حد عشر غير الحسين(ع) وجعفر بن الامام امير المؤمنين هو احد الاخوان الخلصاء الثلاثة لابي الفضل العباس(ع) وامهم ام البنين الكلابية، لكن الغالب والمتعارف هو ان لا يتعرض الخطباء والقراء لحديث جعفر كما هو الحال لا خيه عبد الله ولا خيه عثمان بأعتبار ان حديث ابي الفضل العباس يلقي ظلاله على هؤلاء فلا يبقى بعد مجال للتحدث عن شخصيات هؤلاء كل على حديثه الخاص، الشهيد جعفر استشهد وكان له من العمر تسعة عشر عاماً وهو الشهيد الثاني، الشهيد الاول ضمن هذا الاطار من الاخوة الاربعة، الشهيد الاول هو عبد الله، تقول المقاتل استشهد وعمره خمسة وعشرون سنة وبعده استشهد جعفر وهو موضع حديثنا وعمره تسعة عشر عاماً ومن بعده استشهد اخوه عثمان وعمره واحد وعشرون سنة ثم آخر من استشهد من اهل البيت قبل الحسين(ع) هو اخوهم الاكبر ابو الفضل العباس وعمره خمسة وثلاثون سنة وهناك روايات تقول ان ولدي العباس محمد والقاسم ايضاً استشهدا قبل ابيهما وهذا يأتي بوقته.
جعفر ابن الامام امير المؤمنين، سماه امير المؤمنين بهذا الاسم لتعلقه الخاص بأخيه جعفر، جعفر بن ابي طالب شهيد مؤتة، احد الشهداء البارزين في صدر الاسلام وجعفر يخاطبه النبي(ص): «اشبه خَلقك خَلقي وخُلقك خُلقي» تقول الروايات ان امير المؤمنين سمى ولده جعفر بهذا الاسلم لمحبته الخاصة لاخيه جعفر بن ابي طالب وابرز نتحدث عنه في صفات هذا الشاب وهو جعفر بن الامام امير المؤمنين هو ما ضربه من اسمى الامثلة في الاباء والعفة وعزة النفس والشمم، في صبيحة يوم التاسع من محرم والوضع كان يتأزم ساعة بعد ساعة والارض كانت تضيق بالحسين(ع) شبراً شبراً، الجيش كان يحكم تطويقه للحسين ومخيم الحسين، في هذه الاثناء عقد الحسين(ع) اجتماعاً خاصاً بأهل بيته، اجتمعوا في خيمة وكلهم اصغاءاً وعيونهم بعيني ابي عبد الله الحسين ومنهم من لم يدب الشعر في ذقنه، يعني بحدود الاحدى عشر سنة او خمسة عشر سنة، مثل القاسم ابن الامام الحسن او اخوانه وهكذا، وضعوا عيونهم في عيني الحسين(ع) يصغون الى ارشاداته والى تعليماته وهنا وهذه من العروض المهمة واذا بالشمر يأتي صوته من خارج الخيمة، اين بنو اختنا، اين العباس واخوته، فلم يجبه ابو الفضل ولم يجبه احد والحسين اصغى لنداء الشمر والشمر ينادي، يا بني اختي انتم آمنون، اخرجوا الى، هذا كتاب من يزيد، فقال لهم الحسين(ع) - للعباس واخوته- اجيبوه ولو كان فاسقاً فانه بعض اخوالكم فخرج اليه ابو الفضل ومعه اخوانه الثلاثة وقالوا جميعاً لعنك الله يا شمر ولعن امانك اتأمننا وابن رسول الله لا امان له، هذا ان دل على شيء فانما يدل على الثقة العالية في المبادئ عند هؤلاء الفتية وعلى احترامهم للذمم وعلى نكران الذات وايثار المبدأ على القضايا الشخصية وبالقطع قالوا لعنك الله امانك أتأمننا وابن رسول الله لا امان له، هنا يجري الكلام والشمر يجيب وابو الفضل يرد عليه ثم اقترح ابو الفضل العباس عليه اقتراحاً واعرض الشمر عن ذلك الاقتراح وادار ظهره وبالتالي صاح ابو الفضل العباس، دعوناك الى الجنة ودعوتنا الى النار فتختار النار على الجنة وهذا هو الخسارة الكبرى في الصفقة، الانسان يقدم شيئاً او نعيماً مؤقتاً زائلاً على حياة ابدية خالدة، هذا هو القصر في النظر وهذا هو الزهد في القيم الزهد في اكتساب الحقيقة وبالتالي خسارة كبيرة، تعاسة وشقاء، لجعفر ابن الامام امير المؤمنين موقف آخر من هذا القبيل ففي ليلة العاشر خطب الحسين(ع) وخاطب الكل، الانصار وبني هاشم، هذه كانت ليلة العاشر ليلة الاعذار النهائي والقرار الاخير للحسين(ع)خطب فيهم وقال اذنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فأنهم لايريدون غيري، فقال له اخوته وفيهم جعفر، والله لا نفعل ذلك يا ابا عبد الله، أنبقى بعدك لا ارانا الله ذلك ابداً، صار اليوم العاشر، برز هذا الفتى وهو جعفر بن امير المؤمنين علي بن ابي طالب فكان يردد في حومة المعركة وهذه ترديد الاهازيج لها دلالة سياسية ولها مغزى عسكري ومغزى اجتماعي، حينما يقاتل الفرد مرة يقاتل طوعاً للقيادة يعني يؤدي واجباً وينفذ مهمة فهو لا يعلم ان هذا القتال لمصلحة من ومن اجل ومرة حينما يخرج المقاتل وهو يؤكد على تفهمه للقضية التي يقاتل من اجلها وهو يثبت بأنه يقاتل عن معرفة دقيقة لهذا الطرف ومتطلباته فكان يردد:
اني انا جعفر ذوالمعالي
ابن علي الخير ذي النوال
ذاك الوصي والثناذ والوالي
حسبي بعمي شرفاً وخالي
طبعاً يتفاخر بعقيل(ع) وبأخواله واستمر يقاتل فأصيبت عينه، يبدو ان هذه المأساة لم ينفرد بها ابو الفضل العباس حتى بعض اخوانه، فأصيبت عينه بسهم، رماه به خولا الاصبخي ثم حمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي وارداه شهيداً واحتز رأسه وحمل رأسه الى عمر بن سعد قائد العمليات آنذاك وكان لمصرع جعفر بن الامام امير المؤمنين(ع) تأثير كبير على ابي عبد الله الحسين(ع)وعلى اخيه ابي الفضل العباس:
فليس حريباً من اصيب بماله
ولكن من وارى اخاه حريب
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا للسير على مناهج هؤلاء المجاهدين الابطال والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******