الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مصاديق الصادقين في موالاتهم لاهل البيت(ع) هو العالم الفذ الاستاذ الاكبر المرحوم الشيخ رضا الهمداني النجفي السامرائي، هو صاحب كتاب مصباح الفقيه وغيره من الكتب، كما انه استاذ للفيف من جهابذة العلماء والمراجع والاساتذة، في حرم الامامين العسكريين(ع) هناك مراقد لمجموعة من علمائنا وعظماءنا وهذا له حديثه الخاص بأعتبار ان تعارف الناس على ان يكون الدفن في النجف الاشرف لعظمة تربتها وعظمة المدفون فيها وهو امير المؤمنين(ع) لكن البعض من فقهاءنا وعلماءنا العظام لتعلقهم الخاص بالحسين(ع) كان يوصي ان يدفن بجوار الامام الحسين وايضاً هناك مراقد لمجموعة كبيرة من العلماء بجوار الامامين الكاظميين وبجوار العسكريين اما هذا بوصية او بسبب حالة خاصة، في حرم الاماميين العسكريين مراقد لمجموعة من العلماء وبالرواق بالذات توجد مراقد لستة او سبعة من كبار العلماء من بينهم مرقد المرحوم عالم اهل البيت وجنديهم الوفي الآقا رضا الهمداني تغمده الله برحمته وانصافاً هذا الرجل من طليعة موكب الصادقين او في طليعة صفوف الصادقين وقد وصفه السيد الامين(رض) في كتاب الاعيان بقوله «استاذنا و شيخنا الذي جل استفادتنا في الفقه كانت منه وكذا في الاصول فضلاً عما استفدناه من اخلاقه واطواره وسيرته العلمية وان انفع المواعظ، الموعظة بالافعال لا بالاقوال» المرحوم الآقا رضا الهمداني عالماً فقيهاً اصولياً متبحراً محققاً مدققاً ويعد هو من افضل تلاميذ الميرزا محمد حسن الشيرازي اعلى الله مقامه واتسم ايضاً بكمالات مثلاً كان زاهداً معرضاً عن الدنيا وهذه صفة الانبياء والائمة، حتى في الحديث عن الامور العادية مثل القصص والحكايات يقول تلاميذه ويتفقون على انهم ما استطاعوا ان يسجلوا عليه زلة واحدة في حياتهم الدراسية وكان من تواضعه كما كتب عنه المترجمون انه كان يقوم اجلالاً لكل من يدخل عليه وبخصوص طلابه، العادة المتبعة ان الاستاذ لايقوم لاحد من تلاميذه، كذلك التلاميذ لا يقوم احدهم للآخر اثناء الدرس، هذا العرف السائد ولكن المرحوم الهمداني(رض) كان يقوم لكل واحد من تلاميذه و طلابه حتى اثناء الدرس، احياناً الكتاب بيده والكراسة بيده ويقوم اجلالاً لتلميذه، هذا بالنسبة لتلاميذه اما بالنسبة الى وضعه الخاص فقد هذب نفسه تهذيباً نفسياً جميلاً كان مثلاً يكتب عنه تلاميذه انه يشتري لوازم منزله بنفسه حتى الاشياء العادية وقد شاهده احد تلاميذه مرة وهو واقف عند قصاب في الدور ليشتري لحماً، جاء التلميذ واخبر القصاب بوجود الشيخ رضا وعرفه اياه فأعتذر القصاب وحاول ان يقدمه على الغير فرفض رغم ان كل الواقفين في الدور بعدما عرفوه اعتذروا اليه واصر الكل على القصاب تقديمه والقصاب يلح وهو رفض ان يأخذ حتى يأتي دوره، هذه دروس تكشف ما تنطوي عليه هذه النفسيات من درجة عالية من مراحل تهذيب النفس وكان كما يذكر احد تلاميذه انه كان متوجهاً الى زيارة قبر الحسين(ع) مشياً على الاقدام بأعتبار كان هذا من الشعارات التي تؤكد عليه سيرة اهل البيت وتوصيات اهل البيت وكانت الحوزة تجسد هذا الشعار تنفيذاً لاوامر اهل البيت وكان يخرج مع هذه المواكب بعض العلماء والمراجع فشاهد المرحوم الآقا رضا الهمداني تلميذه خرج ماشياً لزيارة الحسين(ع)انهلت دموعه واجهش بالبكاء وهو يقول اني اغبطكم على هذا المشي وتمنيت لو كنت اقدر على المشي لمشيت لزيارة مولاي الحسين، قلت ايها الاخوة ان هذا العالم الجليل كان معرضاً عن الدنيا وعن بهرجتها، بعد وفاة المرحوم السيد محمد حسن الشيرازي وهو المرجع بلا منازع آنذاك للطائفة الامامية دار الحديث في اروقة الحوزة في النجف بالرجوع الى المرحوم الآقا رضا الهمداني وتعيينه مرجعاً اعلى للطائفة وحسب ما ذكر لي المرحوم الشيخ محمد الغروي الكمباني نقلاً عن ابيه الشيخ حسين الكمباني ان المرحوم آقا رضا الهمداني كان يرفض هذا بالقطع فدخل عليه وفد او مجموعة من كبار تلاميذه من العلماء ليطرحوا عليه امر تصديه للمرجعية فكان جالساً في ديوانه والى جنبه اولاده والغرفة تعج بالاساتذة والعلماء وبعد لم يفتحوا الحديث معه تصرف تصرفاً غريباً فلما احدث هذه الحالة تفرقوا وقد علاهم الذهول، اما اولاده فلم يجرؤا ان يفاتحوه الى ان صار الليل تقدم ولده الاكبر وسأله بتأدب يا أبه ما الذي دعاك الى هذا العمل؟
فقال له يا بني لقد اشتريت آخرتي بهذه الحالة قال كيف قال ان هؤلاء جاءوا ليعرضوا عليّ المرجعية ولم اجد طريقة للتخلص والفرار من هذا الامر الا بهذه الوسيلة فأشتهر عنه هذا المثل وهذه الحكمة بأنه اشترى آخرته بهذه الحالة وهذا ان دل على شئ فأنما يدل على زهده واعراضه عن الدنيا وزخارفها، اللهم ابعدنا عن حب الدنيا.
تلاميذه تجاوزوا المئات وفيهم من عدّ في اعلى درجات الاجتهاد وهم بحدود السبعة عشر تلميذاً بهذا المستوى منهم مثلاً المرحوم آقا بزرك الطهراني صاحب موسوعة الذريعة ومنهم العابد المقدس الشيخ علي القمي اعلى الله مقامه ومنهم المرحوم المجاهد الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ومنهم المرحوم السيد محسن الامين العاملي ومنهم اربعة او خمسة تلاميذه من الطلبة اللبنانيين، اكملوا دوراتهم الدراسية واصبحوا مراجع ومجتهدين كبار ورحلوا الى لبنان وساهموا في نشر ثقافة اهل البيت هناك، كل هذا ببركة جهود الآقا رضا الهمداني اعلى الله مقامه، له مؤلفات ايضاً نادرة في الفقه والاصول ولكن من اشهرها التي لا تخلو منها اي مكتبة علمية هو دورة كاملة في الفقة تسمى مصباح الفقية وهو شرح لشرائع الاسلام، عاش السنين الاخيره من حياته بسامراء مجاوراً للاماميين العسكريين ووافاه الاجل هناك في شهر صفر عام 1322 هـ ودفن في رواق حرمي الامامين العسكريين فتغمده الله بواسع رحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******