ورغم أهمية الموعد السياسي واستعادة المؤسسة التشريعية المعطلة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، إلا أن صعوبات الحياة التي يواجهها التونسيون تجعل اهتمامهم متجها نحو واقعهم المعيشي، فيما يحاول المترشحون بعث الأمل في ناخبيهم عبر برامج انتخابية تعدهم بالشغل وفرص العمل والحرية والكرامة الوطنية.
وتتزامن الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية للمترشحين للبرلمان الجديد، مع إعلان صندوق النقد الدولي سحب ملف تونس من جدول أعمال مجلسه التنفيذي المبرمجة ليوم 19 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، ما ينسف كل الجهود لتحسين وضع المالية العمومية وتجاوز أزمة السيولة ونقص التموين.
وكان يفترض وفق ما أعلن عنه سابقا أن يوقع الصندوق خلال اجتماعه الاتفاق النهائي للقرض الذي حصلت عليه تونس بقيمة 1.9 مليار دينار مشروطا ببرنامج إصلاح اقتصادي.
ويمثل قرض صندوق النقد طوق النجاة لسلطة تونس التي ارتفعت حاجياتها التمويلية لهذا العام لأكثر من 19 مليار دينار، في ظل شح في التمويلات الخارجية وتوسع عجز الموازنة الذي يؤثر على قدرة البلاد على مواصلة صرف أجور الموظفين وتوريد الحاجيات التموينية الأساسية، ومنها المحروقات والدواء والحبوب.
وقال مسؤول حكومي لـ"رويترز" أول من أمس الأربعاء، إن "صندوق النقد الدولي أجل اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج قروض لتونس كان من المقرر عقده الإثنين المقبل، لمنح السلطات مزيدا من الوقت للانتهاء من برنامج الإصلاحات".
وأضاف أن تونس تعتزم إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاحات لدى استئناف اجتماعات صندوق النقد الدولي في يناير/ كانون الثاني المقبل.
ورجّح الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق سليم بسباس أن يكون غياب وثائق رسمية عن قانون الموازنة القادم وضبابية المستقبل السياسي للبلاد وراء سحب ملف تونس من اجتماعات مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، مؤكدا أن الوضع المالي لتونس سيكون أكثر صعوبة.
وقال بسباس في تصريح إن السياق السياسي والاجتماعي محددان رئيسيان في قرار صندوق النقد الدولي ودوائر القرار المالي العالمي، مشيرا إلى أن الوضع في تونس لا يزال غير مطمئن بالنسبة إليهم.
وأضاف أن مؤسسات القرض الدولية تشترط حكومة تضمن إنجاز الإصلاحات، مشيرا إلى أن المحطة الانتخابية قد يترتب عنها انبثاق حكومة جديدة، وهو ما يزيد من صعوبة مقروئية الواقع السياسي في البلاد، حسب قوله.
واعتبر بسباس أن تأجيل اتفاق القرض مع صندوق النقد يعمّق أزمة التمويل في تونس، ويضع الحكومة أمام تحديات جديدة لتوفير تمويلات بالعملة الصعبة لا تقل عن 12 مليار دينار من مجموع حاجيات تمويل تقدر بـ19.6 مليار دينار يتعين توفيرها لغلق موازنة 2022. (الدولار = نحو 3.3 دنانير).
وكانت تونس توصلت في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد بشأن حزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل إصلاحات اقتصادية لا تحظى بشعبية، بما في ذلك خفض دعم المواد الغذائية والطاقة وإصلاح الشركات العامة.
وقالت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية في وقت سابق إنه سيجري بداية من العام الجديد صرف تعويضات نقدية نحو مستحقيها مقابل التدرج في إلغاء الدعم عن المواد الغذائية والمحروقات والكهرباء.
ومن جانبه، نفى الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له الإثنين الماضي، أي صلة للمنظمة بمشروع الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه السلطات التونسية مع صندوق النقد الدولي، مطالبا بحق التونسيين في الاطلاع على ما وصفه بـ"العقود السرية بين الحكومة والدوائر المالية العالمية"، محذرا من تأجيج الغضب الشعبي.
وبينما يزداد الوضع الاقتصادي تأزما في البلاد مع انحسار مصادر التمويل الخارجي، يقدّم المترشحون الجدد للبرلمان وعودا سخية بتحسين ظروف عيش المواطنين وتحريك الاستثمارات في جهاتهم ومطالبة السلطة بسن قوانين تحمي الطبقات.
غير أن القانون الانتخابي الجديد يقلّص من دور البرلمان كمؤسسة تشريعية، ويركّز السلطات في يد الرئيس التونسي ما يجعل وعود المترشحين للبرلمان مجرد شعارات انتخابية لكسب الأصوات.
ويقول المتحدّث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل) رمضان بن عمر إن المحطّة السياسية تجرى في أسوأ ظرف اقتصادي واجتماعي تمرّ به البلاد منذ عقود، مؤكدا أن اهتمامات التونسيين معيشية بالأساس.
وأشار بن عمر في تصريح إلى وجود حالة إحباط تسيطر على التونسيين والأوساط الاقتصادية، معتبرا أن وعود المترشحين للبرلمان الجديد لا تتجاوز حدود الشعارات، وغير قادرة على تغيير حياة المواطنين بسبب استفحال أزمة التمويل وتراجع الخدمات العامة بشكل غير مسبوق.