الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومن الصادقين الذين صدقوا بما عاهدوا الله عليه المرحوم الشيخ ابو الحسن شمس الدين سليمان الماحوزي(رض)، في الوسط الفقهي او الوسط الحوزوي تتربع شخصية من الشخصيات العلمية الكبرى على مساحة واسعة تشتهر بهذا العنوان المحقق البحراني فلا اعتقد ان طالباً او فاضلاً او عالماً في الحوزة او الحوزات العلمية يجهلوا هذا العنوان ولا يعرف عنه شيئاً، المحقق البحراني(رض) هو الشيخ ابو الحسن شمس الدين سليمان الماحوزي، المحقق البحراني هذا من ابرز تلامذه المرحوم السيد هاشم البحراني صاحب تفسير البرهان وهو من التفاسير المشهورة.
المحقق البحراني هو من اشهر علماء البحرين ومن الذين اثروا المكتبة الاسلامية وفقه اهل البيت بكثير من الخدمات، قال رحمة الله عليه في وصف ذاته يقول: «حفظت القرآن وانا ابن سبع سنين "هذا من المؤشرات التي تدل على نبوغه من بواكير الصبا" وشرعت درس علوم الفقه وانا ابن عشر سنين» ووصفه المحقق البهبهاني قال: «ان المحقق البحراني هو نادرة العصر والزمان»، هذا تعبير المحقق البهبهاني واشتهر الشيخ شمس الدين سليمان الماحوزي بأنه بالاضافة لكونه عالم متخصص في الفقه والاصول كان ايضاً متخصص في التربية وعلم الاخلاق مثلاً كتبوا عنه انه ايام الجمعة "عادة يوم الجمعة يوم استراحة" لكنه كان يستغل هذا اليوم فيدرس فيه ادعية الامام زين العابدين(ع) لاهل العلم والفضلاء، يدرس الصحيفة السجادية لتلاميذه وكلهم من اهل العلم ومن الفضلاء لان الدراسة الفقهية لها مكانها لكن علوم الاخلاق والتربية وهذا كان دأب الماضين قدس الله اسرارهم، بعضهم كان يفرد يوم في الاسبوع وبعضهم كان يقدم البحث الفقهي بنصائح اخلاقية وتربوية لدقائق معدودة لما كنت في النجف الاشرف قبل اربعين عاماً او اكثر كنت اشاهد بعض المراجع حينما يبدأ بتدريسه او ببحثه الفقهي كان قبل ذلك يتحدث حديثاً تربوياً او حديثاً اخلاقياً، نصائح، توجيهات.
المرحوم الشيخ سليمان الماحوزي اعلا الله مقامه كان يوم الجمعة يدرس دعاءً او جملة من ادعية الامام زين العابدين(ع) وحكى صاحب اللؤلؤة عن احد تلاميذ الشيخ سليمان الماحوزي وهو الشيخ عبد الله بن صالح البحراني وهو يتحدث عن استاذه الشيخ سليمان «بأنه كان اعجوبة في الحفظ وقوة الحافظة والدقة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرات ولم ار مثله قط وكان ثقة في النقل ضابطاً للعلوم في عصره وحيداً في دهره اذعنت له كل العلماء واقر بفضله كل الحكماء وكان جامعاً لجميع العلوم وعلامة في جميع الفنون، حسن التقرير، عجيب التحرير، خطيباً شاعراً مفوهاً» كما ذكرت له كتب التراجم اكثر من خمسة وستين مؤلفاً في مختلف الفنون والعلوم، اما عطاءه الادبي فقد ذكر صاحب لؤلؤة البحرين مقاطع جميلة من شعره سواء على صعيد الرثاء، على صعيد المديح حتى ان صاحب لؤلؤة البحرين يقول «ولقد هممت من صغر سني علي جمع شعره وقصائده وترتيبها واخراجها بديوان مستقل ولكن حالت الاقدار بخراب بلادنا بمجئ النواصب اعداء اهل البيت وجرى ما جرى عليها ودمروا كل شيء وتفرق المؤمنون من اهلها في اقطار كل بلاد».
وقد لاحظت ان السيد محسن الامين(رض) في كتابه اعيان الشيعة ذكر نماذج من شعر المرحوم المحقق البحراني الشيخ سليمان الماحوزي اعلى الله مقامه خصوصاً روائع من شعره في النصائح في الحكمة وبالخصوص في اهل البيت(ع)، كأن هذه كانت من طموحات المراجع الكبار القدامى ان يساهموا حتى على صعيد الادب والا غالباً الاساتذة الكبار وقتهم اول ما يستغل لاهم قضية وهو مسألة الفقة، نشر علوم اهل البيت، فقه اهل البيت، لكن لاهمية الكلمة الصادقة، المقفاة الشعر في نصرة اهل البيت كانت هذه تشكل احدى طموحات الاساتذة الماضين فالمرحوم الشيخ سليمان الماحوزي يقول في احدى مقاطعه الادبية:
نفسي بآل رسول الله هائمة
وليس اذ همت فيها ذاك من سرف
لاغرو هم انجم العليا بلا جدل
وهم عرانين بيت المجد والشرف
بهم غرامي وفيهم فكرتي
ولهم عزيمتي وعليهم في الهوى لهفي
فلست عن مدحهم دهري بمشتغل
ولست دهري عن حبي بمنصرف
وفيهم لي آمال اٌاَملها في الحشر
اذ تنشر الاعمال في الصحف
نقرأ في هذا اول ما نقرأ تعلق هؤلاء في اهل البيت(ع)، وقد قرأت للمرحوم الشيخ سليمان الماحوزي بيتين جميلين يجاري بهما بيتين للصاحب بن عباد اعلى الله مقامه والبيتان هما للصاحب بن عباد:
مواهب الله عندي تجاوزت املي
وليس يبلغها قولي ولاعملي
لكن افضلها عندي واشرفها
ولايتي لامير المؤمنين علي
هذين البيتين مشهورة ويقرأها دائماً في المحافل والمناسبات فنظم الشيخ سليمان الماحوزي وهو يجاري الصاحب بهذين البيتين فيقول:
يا ذا المعارج ان قصرت في
عملي وغرني من زماني كثرة الامل
وسيلتي احمد وابناه وابنته
اليك ثم امير المؤمنين علي
اجاد، وايضاً قرأت له رحمه الله، يصف بلدته ودراساته يقول:
هي البحرين قنطرة المعالي
ومعراج المحاسن والكمال
الى ان يقول:
بلغت بها الاماني بأجتهاد
وصلت به الى اوج المعالي
ونلت بها المحاسن والمزايا
وغصت على الفرائد واللآليء
وقلت ان كتب الترجمة كتبت له القصائد الجميلة ومن جميل ما قرأت له تشطيراً للابيات المنسوبة للامام امير المؤمنين(ع):
فكم لله من لطف خفي
يضيق خفاه عن فهم الذكي
وكم يسر اتى من بعد
عسر ففرج كربة القلب الشجي
وكم امر تساء به صباحاً
وتأتيك المسرة في عشي
اذا ضاقت بك الاحوال
يوماً فثق بالواحد الفرد العلي
قرأت تشطيراً لها للشيخ سليمان الماحوزي قال:
فكم لله من لطف خفي
مفيض الخير ذي القدس البهي
الى ان يقول:
وشمر للعلا تشمير ندب
وثق بالواحد الفرد العلي
بالاخير يضيف:
توسل بالنبي فكل خطب
يهون اذا توسل بالنبي
وذكرت كتب التراجم ان المرحوم عاش عليل المزاج يعاني ضيق المعاش صابراً على مضايقات الزمان حتى توفي رحمه الله في شهر رجب عام 1121 هـ ودفن في قريته ماحوز عن عمر يناهز 44 عاماً تغمده الله برحمته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******