الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
من مشاعل الصادقين والشهداء في سبيل الله والاسلام من الشهداء مع الحسين(ع)، اسلم بن عمر مولى الحسين، كان موليً عند الحسين(ع)، اسلم بن عمر وهو من اصول تركية كان ابوه تركياً واشتراه الحسين، كما يبدو انه اسر في بعض الحروب، فأشتراه الحسين(ع) غلاماً ووهبه لولده علي بن الحسين السجاد، فأعتقه الامام زين العابدين ولكن بقي اسلام متعلقاً بالحسين(ع)، نحن لما نمر بسيرة هذه المجموعة الصغيرة في حجمها كبيرة في معناها وهم انصار الحسين(ع) سوى ان كانوا خمسة وسبعين او خمسة وتسعين او مئة وخمسة، لا نجد حالة من السنخية والتجانس بين هؤلاء يعني الموقف مشابه تماماً لموقف اصحاب رسول الله يوم بدر، اصحاب رسول الله يوم بدر فيهم الاسود والابيض والحر والعبد والصغير والكبير والثري والفقير، ابن القبيلة او زعيم القبيلة والذي لا احد عنده، لا يوجد تجانس لا بالعرق لا باللغة، لا بالسن لا بالعمر، لا بالمواهب الاخرى ولا بالسكن، كذلك لما نقف على اصحاب ابي عبد الله الحسين(ع) نرى ان السنخية مفقودة تماماً لا يوجد تجانس بينهم ولا سنخية الا علة واحدة وهي ام العلل، سنخية الايمان وسنخية الصلة بالله وبأهل البيت، جمعهم هذا العنوان على اختلاف اسنانهم، اعمارهم، مواهبهم، بلدانهم، عناصرهم، لغاتهم والى ما هنالك، في اصحاب الحسين من صحابة رسول الله، قسم صحابة رسول الله وصحابة امير المؤمنين، مع اصحاب الحسين من كان ثرياً وزعيماً لقبيلته وفي اصحاب الحسين من كان لا يعرف لغة واحدة، كلمة عربية وانما ساقه التوفيق، بعد وفي اصحاب الحسين فيهم كان صاحباً لرسول الله في المقابل كان فيهم من لم يسلم الا ساعات وفيهم من اسلم في الطريق قبل الوصول الى كربلاء بأحد عشر يوماً مثل زهير بن القين فيهم الشاب وفيهم من كان عمره خمسة وتسعين سنة وفيهم من لم يبلغ الحلم وفيهم من قتل مع اخوانه، فيهم من كان مع الحسين اخوه معه، عيناً يوم بدر بكل وحداته، فأذن اعود الى الحديث عن اسلم، كان غلام وهبه الحسين الى وهبه فأحبه الامام زين العابدين واعتقه والامام زين العابدين قضى على الرق تقريباً بعد جده امير المؤمنين لان الامام علي(ع) اعتق الف مملوك وكذلك حفيده الامام زين العابدين(ع)، لكن اسلم صار حراً ويفترض به ان يذهب ليعيش حياته الخاصة لكن تعلقه بالحسين(ع) كان لا يفارق الحسين الا لما يسد الحسين باب بيته ويأتي عند الصباح ولكثرة ما كان ملازماً للحسين صار ثقة عند الحسين، صار كاتباً عند الحسين ومسألة الكتاب كانت مسألة مهمة، النبي(ص) عنده مجموعة من الكتاب وخانه بعض كتابه وغير وبدل واهدر النبي دم بعض كتابه وهذا حديث يرد في وقته، كذلك الائمة، امير المؤمنين وبقية الائمة كان عندهم كتاب معنى الكاتب.
معناه انه ثقة بحيث يكون يدون رأي الامام، فعمل عند الحسين(ع) كاتباً لفترة طويلة، لما هاجر الحسين من المدينة وهاجر معه اهل بيته قرر اسلم بن عمرو ان يهاجر مع الحسين قال يا بن رسول الله انا لا استطيع ان ابقى في المدينة وانظر الى مواقع خلت منكم يا آل بيت رسول الله، انظر الى الولاء والمحبة، فصحب الحسين(ع) من المدينة الى مكة ولما بقي الحسين بمكة يستنهض العالم الاسلامي ويستجيش ضمائر المسلمين كان يلعب معه دوراً مهماً ولما قرر الحسين(ع) ان يغادر مكة ويحل احرامه يوم التروية ويهاجر من مكة قرر اسلم ان يصحب الحسين قال يا ابا عبد الله انا لا استطيع ان اتركك وهنا لا يفوتني ان اذكر ان السير والاخبار تؤكد على ان اسلم ببركة معاشرته للحسين(ع) وآل الحسين حفظ القرآن وكان قارئاً معروفاً للقرآن لان اهل البيت ينشرون العطاء، ينشرون العلم والمعرفة على القريب والبعيد فأصبح من القراء المعروفين للقرآن، حضر مشاهد كربلاء وشاهد ما جرى هناك والذي هو في ذمة التاريخ ولا حظ كيف ان الحسين صار وحيداً مع هذه الثلة القليلة بين اولئك العصاة العتاة المردة، اتباع الدنيا، اتباع الباطل والظلم، فكان يردد:
اميري حسين ونعم الامير
سرور فؤادي البشير النذير
وهذا الهتاف هتف به العديد اكثر من واحد من اصحاب الحسين(ع) من باب التفاخر، واحد يقول اميري ابن زياد هذا في المقابل يقول اميري حسين، ورددت المقاتل عبارة عنه تقول: وخرج غلام تركي للحسين يقاتل، في الواقع سابقته غلام الا انه كان حراً وكان له اولاد وعائلته صحبته، يروي ابن شهر آشوب اعلى الله مقامه يقول: خرج غلام تركي للحسين يقاتل وهو يرتجز:
البحر من طعني وضربي يصطلي
والجو من سهمي ونبلي يمتلي
اذا حسامي في يميني ينجلي
ينشق قلب الحاقد المبجل
كانت جحافل جيوش بني امية تطن به وتستهين به ولكنه اوجعهم بضربات شديدة فتقول المقائل بأنه اسقط منهم جماعة، في الواقع كان الحسين(ع) يراقب هذا المقاتل البطل من بعيد وكأنه كان بحملاته يعطي اصحاب الحسين شحنة معنوية وبهذه العبارات التي كان يرددها في الواقع كان يضفي على نفوس المقاتلين من انصار الحسين دفئاً معنوياً، فبعد ان قتل جماعة فأنتدب اليه ابن سعد فيلقاً من خيرة مقاتليه، احاطوا به يميناً وشمالاً وكانت الجراحات اخذت منه مأخذاً فسقط على الارض صريعاً، قالت الروايات انه استغاث بالحسين وما ان سمع الحسين اغاثنه انقض عليه واعتنقه في وسط المعركة وكان اسلم بن عمر ويجود بنفسه فوضع الحسين خده على خده، هذا الشهيد البطل فتح عينيه شاهد الحسين يعتنقه ووضع خده على خده من فرحته نسي ما فيه انه يضطرب في ساعة سكرات الموت صاح بصوت عال «من مثلي وابن رسول الهل واضع خده على خده» واخذ بيتهج فلم يفارقه الحسين حتى لفظ انفاسه الاخيرة فوضع الحسين يده على جبينه وترحم عليه ودعا له بالرحمة والرضوان ليلقى الله هناك في صفوف الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******